من فضلك قم بزيارة مدونتى "تعالوا "

Friday, April 4, 2008

موجة الغلاء تضرب الثقافة

موجة الغلاء تضرب الثقافة

: أجور الفنانين وأسعار الورق معرضة للارتفاع

اخبار الأدب ---الأحد 30/3/2008



لم يعد الغلاء مجرد كلمة تكررها صحف المعّارضة باستمرار للدلالة علي تدهور الأوضاع الاقتصادية، بل أصبح ظاهرة ملموسة ومؤثرة لا علي الطبقات الفقيرة فقط بل حتي علي الطبقة المتوسطة وما فوقها، فقد تضاعفت أسعار عدد من السلع الأساسية في أقل من أشهر معدودة وهو الأمر الذي أثر علي بقية السلع الأخري كلها تقريبا... وأمام هذا الارتفاع الجنوني وغير المتناسب مع دخل الفرد في مصر، يبدأ المصريون غير القادرين في التخلي عن السلع الثانوية ويقلل الفرد من احتياجاته تحت ضغط الظرف الاقتصادي.ولأن الحياة ليست قصيدة نثر والإنسان يحيي بالخبز لا بالكتاب فالثقافة هي أول ما يتأثر بتغيرات الأسعار والظرف الاقتصادي ويبدو هذا واضحا إذا نظرنا إلي وضع السينما المصرية أكثر الفنون تكلفة وتأثرا بظروف السوق، وقد انعكست موجة الغلاء في ارتفاع تذاكر السينما التي كانت منذ عام مضي تبلغ عشرة جنيهات في دور سينما وسط البلد البسيطة لترتفع إلي خمسة عشر جنيهات أما دور السينما الأفخم بعض الشيء فسعر التذكرة يصل الآن إلي 25 جنيه، بخلاف دور السينما الخاصة التي يصل سعر التذكرة الواحدة فيها إلي 75 جنيها مصريا.ارتفاع أسعار التذاكر أحد أسبابه الرئيسية ارتفاع خامات صناعة الفيلم السينمائي من معدات تصوير وشريط الخام وغيرها، وهو الأمر الذي يجعل المنتج متخوفا من المغامرة علي تقديم موضوعات سينمائية جديدة أو ابتكارية تختلف عن السائد، بالتالي تحول السوق السينمائي التجاري إلي مساحة من الأفلام المتشابهة المستنسخة من بعضها البعض، تعتمد علي نفس التيمات الدرامية وأحيانا نفس الافيهات الكوميدية.أما الفنانون السينمائيون الشبان فقد بدأوا يشعرون بأنه لا يوجد مكان لهم في هذا السوق بالتالي بدأو يلجأون إلي التجارب المستقلة التي تعتمد علي التصوير بالكاميرا الديجتال أو حتي كاميرات الموبيل لخفض تكلفة صناعة الفيلم، لكن هذه التجارب السينمائية المجغّايرة تظل محصورة في أماكن العرض النخبوي والمراكز الثقافية الأجنبية لأن دور العرض السينمائي بالتأكيد لا ترغب في المغامرة بعرض تجربة سينمائية مغايرة، وحتي بعدما تحمست إحدي شركات التوزيع السينمائي لعرض واحدة من تلك التجارب المستقلة فيلم عين شمس لإبراهيم البطوط واجه الفيلم مشاكل بيروقراطية مع الرقابة لم تحل حتي الآن. لكن مع ذلك لا تزال دور العرض السينمائي تشهد إقبالا جماهيريا ومثلما أوضحت مدام سهير العاملة في أحد شبابيك دور العرض في وسط البلد لا يوجد علاقة بين ارتفاع أسعار المواد الغذائية والإقبال علي السينما ففي كل ظروف ترغب الناس في الفرفشة علي حد تعبيرها بالإضافة إلي أن معظم رواد السينما من الشباب الذين يعتمدون علي أبائهم في الحصول علي النقود التي يدخلون بها السينما.
***أجور الفنانين شهدت ارتفاعا كبيرا في السنوات الأخيرة ويظهر ذلك بوضوح في المجال الموسيقي حيث يبلغ متوسط أجر عازف الكمان 500 جنيه في الصفحة الواحدة، بالتالي تبلغ تكلفة تسجيل مقطوعة موسيقية أو أغنية واحدة إلي ما يقارب 15 ألف جنيه، ويري الملحن الموسيقي تامر كراون أن هذه الموجة من ارتفاع الأسعار انعكست علي المستوي الفني للموسيقي المصرية حيث أصبح الكثير من الملحنين يعتمد علي الكمبيوتر والمزيكا المعلبة بدلا من كتابة النوتة الموسيقية والتسجيل في استديو كبير بالتالي تفتقد الموسيقي أحيانا للحس الانساني فصوت الكمنجات المستخرج من الكمبيوتر يختلف عن صوت الكمنجات الحقيقي.
***لا يؤثر ارتفاع الأسعار علي مستوي المنتج الفني أو الثقافي فقط بل أيضا علي إقبال الجمهور علي هذا المنتج وهو الأمر الذي قد يؤثر علي إقبال هذا الجمهور علي أنشطة المراكز الثقافية المستقلة، فمؤسسة المورد الثقافي علي سبيل المثال وضعتها موجة الغلاء الأخيرة في مأزق مادي حيث ارتفعت أجور الفنانين وأسعار طباعة الملصقات الدعائية، وهو الأمر الذي جعل بسمة الحسيني مديرة المورد تبحث عن فرص التمويل أو الدعم من المؤسسات الاقتصادية والشركات الكبيرة، فبسمة لا تريد أن ترفع من قيمة تذاكر عروض المورد وإن كانت تؤكد أن استمرار تلك الموجة من الغلاء سوف يجعلهم يضطرون في النهاية لرفع قيمة التذاكر. بالرغم من أن معظم حفلات المورد مجانية وفي حالة فرض تذاكر علي بعض الحفلات تكون غالبا بأسعار بسيطة لا تتعدي العشرة جنيهات.وعلي العكس من موقف بسمة الحسيني يري محمد الصاوي مدير ساقية الصاوي أن موجة الغلاء لم تؤثر علي أنشطة المراكز الثقافية الخاصة، فالساقية لم تلجأ إلا لرفع أسعارالمشروبات والمأكولات في الكافيتريا فقط لكنها لم ترفع أسعار تذاكرها حتي الآن ومازالت في معدلها الطبيعي ما بين عشرة إلي عشرين جنيها وهو رقم يراه الصاوي في مقدرة الفرد العادي وليس مبالغا فيه، خصوصا إذا نظرنا إلي ما ينفقه المصريون علي التليفونات أو السجائر.التأثير الأوضح لموجة الغلاء علي الثقافة يمكن لمسه في صناعة الكتاب، فمصر من الدول المستوردة لا المنتجة للورق وبالتالي يرتبط سعر الورق في مصر بالسوق العالمي كما يوضح سعيد عبده مدير التوزيع في مؤسسة أخبار اليوم أن ارتفاع تكاليف الطباعة لا يتوقف علي اسعار الورق فأسعار الأحبار والآلات والصيانة وأجور العمال كلها شهدت زيادات كبيرة في الشهور الأخيرة ومن المتوقع أن تستمر هذه الزيادة لفترة قادمة ومن الصعب السيطرة عليها لأنها ليست خاضعة لشروط السوق المحلي بل مرتبطة أكثر بالسوق العالمي. وتؤثر هذه الزيادة في النهاية علي سعر الكتاب وحينما يرتفع سعر الكتاب تصير دورته ابطأ في التوزيع وينصرف المستهلك لأنه لا يستطيع تحمل الزيادة المستمرة في سعر الكتاب وبدلا من بيع عشر نسخ في يوم تباع العشر نسخ في شهر، وبالتالي يقل عدد العناوين الجديدة وعدد الكتب المعروضة في السوق وهو ما يؤثر علي مستوي الكتاب المصري وقدرته علي المنافسة. ويضرب سعيد مثالا علي ذلك بكتاب تفسير الشعراوي الذي كانت تصدره أخبار اليوم علي أجزاء يبلغ سعر الواحد منها جنيها وحينما ارتفع سعر الكتاب ربع جنيه انخفض التوزيع 50 ألف نسخة حيث كان يطبع من كل جزء 300 ألف نسخة.يضيف أحمد الزيادي من دار الشروق سببا آخر لارتفاع أسعار الورق في مصر وهو تغير سعر اليورو في مقابل الجنيه المصري، فمعظم الورق يتم استيراده من أوروبا، ولأن التغيرات في سعر اليورو مقابل الجنيه المصري محسومة وبسيطة فتأثر صناعة الكتب يكون بسيطا، بالإضافة إلي أن دور النشر والمطابع الكبيرة كما في الشروق تشتري احتياجاتها من السوق الأوروبي مباشرة كل ثلاثة شهور، لذلك فلا يظهر تأثير ارتفاع الخامات علي منتجاتها من الكتب إلا بعد فترة، ويشير الزيادي إلي أن تحديد سعر الكتاب مرتبط أكثر بالسوق المحلي، فلا يمكن لأي دار نشر أن ترفع أسعار الكتب بشكل مبالغ فيه وإلا سينصرف المشتري عن الكتاب فالسوق في النهاية عرض وطلب. لكن عم حسين المسئول عن فرع مكتبة مدبولي بطلعت حرب يري أن الإقبال علي الكتاب قد قل الأسابيع الماضية حتي الأب حينما يدخل المكتبة مجبرا علي شراء كتاب دراسي لابنته يشتريه وهو متضرر ففي رأي عم حسين حينما يتجاوز سعر زجاجة الزيت العشرة جنيهات لا يصبح هناك مكان للكتاب في ميزانية أي أسرة، ويؤكد علي رأيه مشيرا إلي أن معظم زبائن المكتبة الذين تعتمد عليهم هم من العرب لا المصريين. ونفس الرأي اتفق معه وائل مصطفي أحد شباب البائعين في سور الأزبكية الذي تحدث في البداية عن عملية نقل البائعين التي تقوم بها المحافظة حاليا .وقال إن معظم البائعين الذين يعملون في الكتب الثقافية يعتمدون علي السائحين العرب والأجانب فاهتمام القارئ المصري بزيارة السور وشراء الكتب قد قل في الأسابيع الماضية وسوف يقل أكثر إذا استمرت زيادة أسعار المواد الغذائية فالناس يحتاجون للطعام أولا قبل أن يقرأوا، لكن عم عبد الله صاحب فرشة الكتب والجرائد في شارع 26 يوليو ينكر أي تأثير لارتفاع أسعار المواد الغذائية علي الإقبال علي شراء الكتب أو الجرائد فالأولي غذاء البدن والثانية غذاء الروح علي حد قوله، لذلك يجلس عم عبد الله في الظل مراقبا فرشته المعرضة للشمس واثقا من قدوم المشتري مهما ارتفعت الأسعار.

No comments: