من فضلك قم بزيارة مدونتى "تعالوا "

Wednesday, February 27, 2008

فضيحة صمت العرب أمام استقلال كوسوفو



فضيحة صمت العرب أمام استقلال كوسوفو



بقلم : علي عبدالعال

العرب "أُذن من طين وأخرى من عجين" كعادتهم أمام قضايا الأمة المصيرية لازموا الصمت، فلم تعلن دولة واحدة منهم الاعتراف باستقلال كوسوفو، ولم نسمع صوتاً رسمياً واحداً يقدر حجم المسؤلية، فيعبر عن ضمير الأمة، وينقل نبضها الحقيقي إلى العالم، ويضطلع بمسئوليته.. مع أن غالبية سكان الجمهورية الوليدة في أوروبا مسلمون، محسوبون تاريخياً على المجال الحضاري العربي الإسلامي، يعلم الداني والقاصي في المعمورة عدالة قضيتهم، منذ أن شن الصرب الأرثوذكس حرب الإبادة العنصرية بحقهم، ومارسوا التطهير العرقي. وقد شهد العالم أجمع مذابح وجرائم لم تكن من ضمير الإنسانية بحسبان، نتج عنها نزوح الآلاف من سكان الإقليم إلى البلدان المجاورة هرباً بأرواحهم وأعراضهم.

جاء الصمت العربي الرسمي هذه المرة ينطق بشيء واحد فحواه أن العرب صاروا من المهانة لدرجة أنهم لا يستطيعون أن يصرحوا إن كانوا مع أو ضد. ومما بعث على مزيد من الاستغراب أن رحبت بالاستقلال واعترفت به القوى التي تمسك بزمام القرار في العالم (أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان)، وتدور في فلكها أنظمة الاستبداد في العالمين العربي والإسلامي.

المشكلة الأساس هنا ربما تكمن في أن العرب لم يعد بوسعهم معرفة ما هي بالضبط المصلحة القومية في هذه المنطقة من العالم، على عكس القوى الغربية التي عرفت تماماً إن كانت مصالحها تدعوها إلى تأييد الاستقلال، كما هو الحال بالنسبة لأمريكا وأغلبية الدول الأوروربية، أو أن مصالحها تدعوها إلى رفضه كما هو الحال بالنسبة لروسيا وصربيا واليونان وإسبانيا.

فقد جاءت ردود الفعل العربية باهتة لا لون لها، بعد أن اكتفت مصر بإبداء حرصها على استقرار منطقة البلقان. مذكرة بأن المنطقة تمر بمرحلة "بالغة الدقة". وقال المتحدث باسم الخارجية حسام زكي، إنه يأمل في أن "يسود منطق الحوار والتفاهم كافة التحركات الدولية والإقليمية المصاحبة لهذا الإعلان".

أما ليبيا وعلى لسان سفيرها بمجلس الأمن الدولي، فقد قالت إنها تأمل ألا يؤدي إعلان كوسوفو الاستقلال إلى العودة إلى ما شهدته منطقة البلقان في تسعينيات القرن الماضي. وقال جاد الله عزوز الطلحي : "إن ليبيا كانت وستظل مع الالتزام الكامل بمبادئ العدالة والقانون الدولي القاضي بالاحترام المطلق لسيادة جميع الدول ووحدتها الترابية"!!. مؤكداً أن بلاده لا تقبل أن تشكل حالة كوسوفو سابقة للنيل من مبدأ احترام الوحدة الترابية للدول.

وبالنسبة للفلسطينيين فقد ذكرهم إعلان كوسوفو أنهم لازالوا تحت الاحتلال الإسرائيلي، لذلك قال ياسر عبد ربه ـ عضو فريق التفاوض الفلسطيني ـ "يجب علينا إعلان الاستقلال كما فعلت كوسوفو". وهو ما استبعده تماماً محمود عباس (أبومازن)، قائلاً : "إننا نسير في المفاوضات (مع الإسرائيليين) من أجل الوصول إلى اتفاق سلام". كما أبدى صائب عريقات معارضته لأي إعلان للاستقلال من جانب واحد.

وقد سُأل سفير البوسنة والهرسك في الكويت (ياسين رواشدة) عن توقعاته إن كانت دول "مجلس التعاون الخليجي" ستعترف باستقلال كوسوفو أم لا، فردّ بحذر شديد ـ حسبما وصفت وكالة الأنباء الكويتية ـ قائلاً : "إن قرار الاعتراف بالدول الأخرى سيادي، لأن لكل دولة قرارها الخاص بها الذي تنفرد به بناء على مصالحها وظروفها الإقليمية والدولية". وتابع : "وبالتالي فإن كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي، وبناء على مصالحها وتطلعاتها وتوجهاتها ستتخذ قرارها بالاعتراف أو بعدم الاعتراف باستقلال كوسوفو".

ذهب المنتقدون لصمت الجامعة العربية إزاء هذه القضية إلى إن المنظمة العربية الرسمية ليس لها أي تكتيك ولا استراتيجية ترسم من خلالها علاقاتها بالعالم الخارجي، بل وليس لها سلم أولويات تميز من خلاله بين البعيد والقريب، خاصة وأنها عجزت على حلحلة مشاكل الداخل فكيف لها أن تتخطاه إلى الاهتمام بمستجدات الخارج، وتدلي بدلوها فيه، وتصدر مواقف من شأنها أن تعزز الأمن الحضاري العربي.

لكن على الصعيد الشعبي، فإن الشارع العربي دائماً ما كان يمثل ضمير الأمة، غير أنه يبقى ضمير عاجز لا قوة له على تحريك الأشياء، غاية ما يفعله هو أن يتظاهر ليردد هتافات على أمل أن يسمعها أولو الأمر فيعبرون عن آماله. ففي الأردن دعا حزب "جبهة العمل الإسلامي" دول العالم وفي مقدمتها الدول العربية والإسلامية إلى تأييد استقلال كوسوفو والاعتراف الرسمي بسيادتها الكاملة على أراضيها، ودعمها لاستعادة حقوقها. وقال ناطق اعلامى باسم الحزب : "لقد فتن الشعب الكوسوفي في دينه أيما فتنة.. ونال من العذاب القدر الكبير"، مشيراً إلى المقابر الجماعية التى ظلت شاهدة على بشاعة العدوان الصربي.

وفي الكويت، طالب الدكتور وليد الطبطبائي ـ النائب الإسلامي في البرلمان ـ الحكومة الكويتية بالاعتراف الرسمي بجمهورية كوسوفو، وأعلن من جانبه الاعتراف باستقلال الدولة الوليدة، قائلاً :ان شعب كوسوفو وأغلبيته من المسلمين يستحق المناصرة السياسية في مسعاه الشرعي للحرية والاستقلال، داعياً الحكومة إلى تعزيز العلاقات الثقافية الكويتية مع الدولة الوليدة.

وإزاء هذه المواقف التي لا تسمن ولا تغني من جوع، دعا بكر إسماعيل ـ ممثل كوسوفو في مصر ـ العرب والمسلمين إلى مساندة الاستقلال وتأييده بالأقوال والأفعال، في جميع المجالات سياسياً وأقتصادياً وتجارياً. وناشد رجال الأعمال المسلمين والعرب بإقامة مشاريع تجارية وصناعية في كوسوفو، والعمل على الاستثمار في الإقليم بمشروعات تعود بالنفع عليهم وعلى البلاد.

آراء المراقبين والخبراء ذهبت يميناً ويساراً في تحليل الموقف العربي الرسمي من استقلال كوسوفو، غير أنها انتهت إلى عدة نقاط ، كالتالي :

1ـ اعتبر مراقبون أن موقف الدول العربية من إعلان استقلال الإقليم كان متوقعًا، مشيرين إلي تأرجح هذا الموقف ما بين التعاطف مع ألبان كوسوفو، والخشية من المبادرة بالاعتراف باستقلال جمهوريتهم.. حيث ظلت الدول العربية تتجنب البوح بما يختلجها، وتتابع ردود الأفعال الدولية، دون أن تصدر موقفاً واضحاً. وهو ما أعتبر ـ من جانب الرسميين ـ تريثاً لمحاولة قراءة المشهد بجميع تفصيلاته، كما أنه نوع من الحسابات السياسية تحسباً لجميع الاحتمالات. ولسان حالهم يقول : يجب أن ننتظر حتى نرى ما إذا كان هذا الاستقلال سوف يصبح واقعاً عالمياً معترفاً به بالفعل أم لا.

2ـ الموقف العربي من الاستقلال نبع من عدة أمور، علي رأسها موازنة العلاقات مع روسيا الرافضة لاستقلال الإقليم، والتي تربطها بهم (العرب) علاقات مميزة، ومصالح مشتركة، وتدعمهم في التحديات التي يفرضها عليهم الغرب. هذا إلى جانب عدم الرغبة في اغضاب صربيا، التي ورثت تركة من العلاقات المتميزة أيضاً مع العرب من الاتحاد اليوغسلافي منذ أيام جوزيف تيتو مؤسس كتلة عدم الانحياز، والتي يمكن أيضاً أن تبادر ـ في حال إغضابها ـ بالاعتراف بأي إقليم يعلن استقلاله في الدول العربية.

3ـ الخشية من أن يتسبب استقلال كوسوفو ـ من جانب واحد ـ في تداعيات سلبية مباشرة على بعض الدول العربية، من زاوية تشجيع النزعات الانفصالية. خاصة الدول التي بها أقاليم لديها هذه النزعات، مثل : الأكراد في العراق، ودارفور والجنوب في السودان، والصحراء الغربية في المغرب، وما يجري ترتيبه على الصعيد اللبناني والفلسطيني، والأقليات الدينية في البلدان العربية. خاصة في ظل مخططات كثيرة ومعلنة لتمزيق العالم العربي وتقسيمه على أسس إثنية وعرقية وطائفية.

4ـ لكن السبب الأكثر ترجيحاً ربما يتمثل في حالة التخبط التي تعيشها الدبلوماسية العربية، وفقدان البوصلة لديها، والعجز عن مواكبة حركة التاريخ، وغياب الرؤية الاستشرافية والتنسيق العربي العربي، وتعذر ايجاد القرار الموحد.

وبشكل عام فإن الموقف العربي الرسمي، موقف لم يعول عليه كثيراً في هذه القضية، لأنه موقف غير مستقل، والأنظمة العربية لم تقم ولن تقوم بواجبها في دعم قضايا المسلمين إلا بالمقدار الذي تسمح به الولايات المتحدة، وشواهد التاريخ على ذلك كثيرة، وليس الموقف من فلسطين عنهم ببعيد. وأغلب الظن أنهم ـ في نهاية المطاف ـ سيعترفون بالاستقلال لكنه سيكون اعترافاً بارداً لا قيمة له، اعترافاً بعد فوات الأوان.

ويُقضى الأمرُ حين تغيبُ تيم ،،،، ولا يُستشهدون وهم حضور

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملحوظة : المقال منشور في "لواء الشريعة"

www.shareah.com
يرجى الإشارة للمصدر


Thursday, February 7, 2008

أسبوع الالتباس العظيم/ فهمي هويدي

صحيفة الخليج الاماراتيه الثلاثاء 28/1/1429 5/2/2008
المقال الممنوع من الاهرام


أسبوع الالتباس العظيم

فهمي هويدي



إذا جاز لي أن أسمي الأسبوع الفائت في مصر، فإنني لا أتردد في تسميته أسبوع الالتباس العظيم.
(1)
اتصلت بي هاتفياً ذات مساء سيدة من أسرة فلسطينية عريقة استقرت في القاهرة منذ 45 عاماً، وقالت إنها بعد الذي سمعته في مداخلات بثها أحد البرامج التلفزيونية أثناء فقرة قدَّمها حول عبور الفلسطينيين الحدود إلى رفح والعريش، فإنها قررت أن تغادر مصر إلى غير رجعة. هدأت من روعها وسألتها عن السبب، فقالت إن التعليقات التي أذيعت على الهواء صدمتها، لأنها كانت مسكونة بالمرارة والنفور على نحو لم تعرفه في مصر. وأضافت أن التعبئة المضادة التي اعتبرت الفلسطيني خطراً على مصر وأمنها، أثرت في علاقتها مع صديقات تعرفهن منذ عقود، حتى خسرت بعضهن من جرائها.
ليست هذه حالة فردية، لأن مشاعر القلق هذه عبَّر عنها آخرون في عدة رسائل واتصالات هاتفية تلقيتها. وكان السؤال المكرر هو: هل يهيئ الفلسطينيون المقيمون في مصر أنفسهم للجوء جديد؟
مثل هذا القلق وجدته مبرراً ومشروعاً، لأنني أزعم بأنه بقدر ما كان الخطاب السياسي المصري ناجحاً بصورة نسبية في الأسبوع الماضي، فإن الخطاب الإعلامي فيما عدا استثناءات قليلة رسب في الاختبار، فكان مسيئاً وتحريضياً بشكل لافت للنظر. لست في موقف يسمح لي الآن بالتحقيق في الدوافع والمقاصد، ولكن ما يهمني في اللحظة الراهنة هو الحصاد والنتائج.
(2)
في عام 1991 قام العقيد معمر القذافي بعملية مشابهة لما تم في معبر رفح. فقد أحضر البلدوزرات وهدم البوابات المقامة على الحدود بين مصر وليبيا، تأثراً في الأغلب بالأفكار الوحدوية التي شاعت بين جيلنا، واعتبرت الحدود وراء المخططات الاستعمارية التي كرستها اتفاقية سايكس بيكو (عام 1916)، وبمقتضاها تم تمزيق العالم العربي في إطار وراثة تركة الدولة العثمانية، وتوزيع أشلائه على الدول المنتصرة آنذاك. وفي المقدمة منها إنجلترا وفرنسا. الشعور ذاته عبَّر عنه الدكتور جورج حبش مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (وهو بالمناسبة يساري فلسطيني ومن قادة حركة القوميين العرب) حين أبلغ وهو في مرض موته بخبر اجتياز الجموع لمعبر رفح. وقد سمعت أحد رفاقه وهو يقول في حفل وداعه ان “الحكيم” لمعت عيناه من الفرحة وتمنى أن يعيش ليرى الشعوب العربية وهي تتلاحم محطمة حدود الدول القُطرية.
وقتذاك في عام 1991 عبر الحدود إلى ليبيا مليونا مصري، وهو رقم يعادل نصف الشعب الليبي. ولم تتصدع علاقات البلدين ولا شكت ليبيا من تهديد أمنها القومي. وبعد ذلك أعيد تنظيم الحدود، وأصبح المصريون يدخلون إلى ليبيا من دون تأشيرة. الذاهبون عبر المعبر الحدودي اشترط عليهم أن يحملوا معهم عقود عمل، والقادمون عبر المطار أصبحوا يدخلون من دون شروط، ويطالبون فقط بالحصول على عقود عمل خلال فترة زمنية معينة. ولأن هذه عملية يصعب ضبطها فقد أصبح في ليبيا الآن مليون مصري، منهم حوالي 650 ألفاً ذابوا في البلد وأقاموا في جنباتها من دون أن يحصلوا على عقود عمل، ومن ثم اعتبرت إقامتهم غير شرعية. وحين سرت شائعة تتعلق باحتمال ترحيلهم قامت الدنيا ولم تقعد، وجرت اتصالات عديدة بين القاهرة وطرابلس، أسفرت عن تهدئة الوضع وإبقاء كل شيء كما هو عليه.
هؤلاء، المصريون الموجودون في ليبيا بصورة غير شرعية، يعادلون تقريباً مجموع الفلسطينيين الذين عبروا الحدود خلال الأيام الثلاثة الأولى بعد اختراق معبر رفح، ومع ذلك فليبيا التي لا يتجاوز تعداد سكانها الملايين الأربعة لم تعتبر ذلك غزواً ولا تهديداً لأمنها القومي، في حين أن بعض الأبواق الإعلامية المصرية ظلت تصرخ منذرة ومحذرة من الغزو الفلسطيني لمصر، رغم أن تعداد سكانها تجاوز 76 مليون نسمة. وهي مفارقة تطرح السؤال التالي: ماذا يكون موقفنا لو أن الإعلام الليبي عبَّأ المجتمع هناك ضد وجود ذلك العدد من المصريين بصورة غير شرعية، وحرَّض الجماهير ضد احتمال “الغزو المصري”، كما فعلت أبواقنا الإعلامية بالنسبة للفلسطينيين العابرين، علماً بأن مبررات الخوف أكبر في الحالة الليبية (بسبب إغراء النفط وقلة عدد السكان) منها في الحالة المصرية الفلسطينية.
ليس عندي أي دفاع عن تحطيم الحدود واجتيازها بين دول لم تتوافق على فتح حدودها فيما بينها كما هو الحاصل في الاتحاد الأوروبي. ذلك أنه طالما هناك حدود دولية فيتعين احترامها، واجتيازها أو تحطيم أسوارها في الظروف العادية جريمة لاريب. لكني أحسب أن أي طفل مصري يدرك جيداً أن ما حدث في ما يتعلق بمعبر رفح كان نتاجاً لظروف غير عادية بإطلاق، من جانب شعب خضع لحصار شرس استمر ثمانية أشهر، وفي غيبة أي أمل لرفعه فقد كان الانفجار هو النتيجة الطبيعية له. من ثم فإن ما جرى لا ينبغي أن يوصف بأكثر من كونه خطأ لا جريمة، وهو ما يحتاج إلى عقلاء يتفهمون أسبابه ويعطونه حجمه الطبيعي ويتحوطون لتداعياته بحيث لا تخدم مخططات العدو “الإسرائيلي” مثلاً.
من أسف أن بعض المعالجات الإعلامية لم تفهم هذا التمييز بين الخطأ والجريمة، وذهب بعضها إلى اعتباره غزوا تارة، بل وإلى المساواة بين دخول الفلسطينين إلى رفح والعريش وبين احتلال “الإسرائيليين” لسيناء (هكذا مرة واحدة). واختلط الأمر على البعض الآخر حتى لطموا الخدود وشقوا الجيوب ورفعوا أصواتهم داعين إلى استنفار المصريين لصد الخطر الداهم الذي يهدد أمن بلدهم وسيادته. وكان ذلك نموذجاً للالتباس الذي أفقد البعض توازنهم، وحول المشكلة إلى قضية عبثية.
(3)
للالتباس تجليات أخرى؛ منها مثلاً أن البعض آثر أن يعتبر عبور الفلسطينيين إلى مصر “مؤامرة”، في حين ان المؤامرة الحقيقية هي في مساعي إحكام ومحاولة تدمير حياة الفلسطينين في القطاع لإذلالهم وتركيعهم. وفي منطق المرجحين لفكرة المؤامرة أن كل شيء كان مخططاً ومعداً له من قبل. وهو كلام مرسل لا دليل عليه، فضلاً عن أن الشواهد المنطقية والواقعية ترجح كونه انفجاراً شعبياً طبيعياً من جانب أناس حملهم الحصار بما لا يطيقون، وبما يتجاوز بكثير الانفجار الشعبي التلقائي الذي حدث يومي 18 و19 يناير/ كانون الثاني سنة ،1977 احتجاجاً على رفع الأسعار في مصر.
هي انتفاضة ثالثة حقاً، رغم أنني سمعت أحدهم يتحدث بدهشة واستنكار شديدين لإطلاق الوصف على قيامة الجماهير وعبورها للحدود. لكنها انتفاضة ضد الحصار والهوان، ولا يتصور عاقل أنها يمكن أن تكون انتفاضة ضد مصر. في الانفعال الذي ساد بعض المعالجات الإعلامية تداخلت الخطوط وتاهت البوصلة، حتى لم تميز تلك المعالجات بين ما يوصف في الأدبيات الماركسية بين التناقض الرئيسي والتناقضات الثانوية. لقد أبرزت بعض الصحف بعناوين عريضة بعض الحماقات التي ارتكبت وبعض التصرفات المشبوهة التي وقعت. مثل قيام أحد الشبان برفع العلم الفلسطيني على أحد المباني في الشيخ زويد. واعتداء البعض على عدد من الجنود المصريين، والكلام عن اكتشاف خليتين دخلتا إلى سيناء للقيام بعمليات عسكرية ضد “الإسرائيليين”، مثل هذه الأخبار إذا ثبتت صحتها، فينبغي أن تُعطى حجمها ويحاسب المسؤولون عنها، لكنها تظل في حدود التناقضات الثانوية، التي ينبغي ألا تحجب التناقض الأساسي مع “إسرائيل” والاحتلال والحصار.
ومن أسف أن الأضواء سُلِّطت بقوة على تلك التناقضات الثانوية، في حين تم تجاهل التناقض الأساسي في الكثير من المعالجات التي قدمتها وسائل الإعلام، مما أدى إلى تعبئة قطاعات عريضة من الناس بمشاعر غير صحية، فانصب غضبها على الفلسطينين بأكثر مما انصب على الاحتلال والحصار. وقد تجلى في هذه النقطة تفوق الخطاب السياسي على الإعلامي، وهو ما عبَّر عنه أحمد أبو الغيط وزير الخارجية بقوله في تصريح نشره “الأهرام” في 30/1 إن “إسرائيل” تتحمل المسؤولية القانوينة الأساسية والإنسانية لما آلت إليه الأوضاع في غزة، وما نتج عنها من انفجار بشري تجاه مصر (لاحظ أنه تحدث عن انفجار بشري وليس مؤامرة كما ادعى بعض المحرضين).
(4)
موضوع “حماس” كان ولا يزال محل التباس ولغط شديدين. ذلك أن لها ثلاثة أوجه في الخريطة الفلسطينية، فهي من ناحية حركة إسلامية لها أصولها الإخوانية، وهي من ناحية ثانية سلطة تم انتخابها بواسطة الشعب الفلسطيني، وهي من ناحية ثالثة أكبر فصيل مقاوم يتحدى الاحتلال ويرفض الاستسلام والتفريط. وهي في ذلك تقف جنباً إلى جنب مع الفصائل والعناصر الوطنية الأخرى التي اختارت ذلك النهج، ومن بين تلك الفصائل حركة الجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى والجبهتان الشعبية والديمقراطية. أما العناصر الوطنية المستقلة التي تقف في مربع المقاومة الذي تتصدره حماس فقائمتها طويلة، وتضم أسماء لها وزنها المعتبر في الساحة الفلسطينية، في المقدمة منهم بسام الشكعة وشفيق الحوت وأنيس صائغ وبهجت أبو غربية وسلمان أبو ستة وعبدالمحسن القطان وآخرون بطبيعة الحال.
كون حماس حركة إسلامية أو حتى إخوانية فهذا شأنها، الذي تتراجع أهميته في السياق الذي نحن بصدده. وكونها سلطة منتخبة فإن ذلك يضفي عليها شرعية نسبية تسوغ قبولنا بها انطلاقاً من موقف نقدي يسعى إلى تصويب مسيرتها وليس إسقاطها أو هدمها. وذلك كله أكرر كله مرهون بالتزامها بمقاومة الاحتلال ورفض التنازلات، وذلك أكثر ما يعنينا في شأن حماس.
لقد سبق أن سجلت في هذا المكان تحفظات وانتقادات لموقف حماس من السلطة. ولكن موقفها المقاوم يظل جديراً بالمساندة بغير تحفظ، رغم التكلفة الباهظة لهذا الموقف، الذي يمثل سباحة ضد تيار شرس زاحف بقوة، إقليمياً ودولياً، مسانداً لدعاة التفريط والاستسلام في الساحة الفلسطينية.
من أسف، أن هذه التمايزات بين الأوجه المختلفة لحماس غابت عن كثيرين. وأخطر ما في ذلك الالتباس أنه ضرب أهم تلك الأوجه الذي يتمثل في دورها المقاوم. ولا أستبعد أن تكون الأمور قد اختلطت على البعض، لكني لست أشك في أن هناك من تعمَّد تشويه ذلك الدور لأسباب ليست خافية.
إن الذين يقفون ضد الإخوان وامتداداتهم وجدوها فرصة لتوجيه سهامهم ضد حماس واستثارة الرأي العام ضدها. والذين التحقوا بمركب السلطة في رام الله وارتبطت مصالحهم بها، صفوا حساباتهم مع حماس بإضافة المزيد من السهام التي استهدفتها. ومعسكر “الموالاة” ل”إسرائيل” والسياسة الأمريكية اعتبر ما جرى في رفح فرصة نادرة لتوجيه ضربة قاضية لكل تيار المقاومة والرفض في الساحة الفلسطينية.
لقد نشرت لي صحيفة “الشرق الأوسط” يوم الأربعاء الماضي (30/1) مقالة كان عنوانها “المقاومة وليست حماس هي المشكلة” أردت فيها أن أذكَّر الجميع بأبعاد الصراع التي نسيها البعض وطمسها آخرون. ولأن التذكرة تنفع المؤمنين، فإنني لا أمل من تكرار ما قلت، مضيفاً “معلومة” غيَّبها الالتباس، وهي أن حماس ليست هي العدو ولكنه “إسرائيل”. وذلك تنويه وجدته واجباً، ليس فقط بسبب ما جرى، ولكن أيضاً لأننا نمر هذا العام بالعام الستين للنكبة، الذي صار البعض فيه لا يعرفون من يكون العدو.

Friday, February 1, 2008

بيان ماركيز يعيد وجه الثقافة الغائب


بيان ماركيز يعيد وجه الثقافة الغائب


2002/03/20


--اسلام اون لاين ----كتب : رياض أبو عواد
كشف البيان الذي أصدره الكاتب الكولومبي "جابريل غارثيا ماركيز" -الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 1982م- والذي يعلن فيه تضامنه مع الشعب الفلسطيني عن عجز المثقفين العرب عن القيام بمبادرات شبيهة.
وكان صاحب رواية "مائة عام من العزلة" قد أعرب عن إدانته للمجازر التي يرتكبها جلادو شارون والكيان الصهيوني؛ ليعيد الاعتبار للثقافة العالمية الإنسانية، ويعرِّي أمامنا ضمير أمتنا النائم، ويثبت أن الأدباء المتميزين يتحملون مسؤولية خاصة أمام ضمائرهم حماية لمستقبل البشرية.
وقد جاء هذا البيان في وقت بالغ الأهمية، خصوصًا بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر في نيويورك وواشنطن، وهمجية الجيش الإسرائيلي بارتكابه لمذابح متتالية ضد أبناء الشعب الفلسطيني؛ مستفيدًا من متغيرات الرأي العام الدولي ضد العرب والمسلمين.
وكان من أوائل ردود الفعل الإيجابية على البيان المقال هي خلقها حافزًا قويًّا دفع برلمان الكتاب الدولي إلى تشكيل وفد من المثقفين والكتاب العالميين لزيارة الأراضي المحتلة، وتحديدًا رام الله -في الفترة من 24 - 27 مارس 2002م- تضامنًا مع الشعب الفلسطيني في مواجهة المذابح التي يتعرض لها أبناء الشعب الفلسطيني يوميًّا على أيدي قوات الاحتلال، ومن أبرز من سيضمهم الوفد اثنان من حملة جائزة نوبل للآداب، هما: الكاتب النيجري "أوول سونكا"، والأديب البرتغالي "ساراموغو"، وهو الموقف الذي أيده ماركيز فورًا، وإن أبدى أسفه لعدم قدرته على المشاركة بسبب أوضاعه الصحية.
ويرى البعض أن موقف ماركيز كاشف لموقف المثقفين العرب الذين لم يبادروا باتخاذ مبادرات شبيهة إلا بعد نشر مقال أو بيان ماركيز في الصحف العربية التي سرعان ما امتلأت صفحاتها بعدة مقالات، تقارن بين موقف ماركيز وموقف "نجيب محفوظ" الأديب العربي الوحيد الحاصل على جائزة نوبل؛ ليسارع محفوظ إلى التعبير عن سعادته بموقف غارسيا، وإن لم يقم بمبادرة مشابهة في هذا الشأن.
شكرًا ماركيز
بيان ماركيز إنما يدلِّل على موقف إنساني أعاد خلاله قراءة تاريخ الكيان الصهيوني في المنطقة؛ ليحدد في بيانه مجموعة من النقاط التي ما زالت تشكِّل جوهر النضال الوطني الفلسطيني، وإن تخلى عنها البعض.
افتتح ماركيز بيانه بمخاطبة الضمير الإنساني بمقارنة بين المشروع النازي والمشروع الصهيوني قائلاً: "نحن الذين نقاوم فقدان الذاكرة"؛ إذ رأى الوعاء الفكري لممارسات النازية متماثلاً مع الصهيونية، حيث ارتكز هتلر على نظرية المجال الحيوي لتحقيق مشروعه التوسعي باحتلال أراضي الآخرين، وتماثل بيجن مع هذا الموقف بقوله صراحة: إن الأراضي المحتلة عام 1967م هي ممتلكات يهودية ليس من حق أحد أن يطالب باستعادتها.
وأضاف أن: "ما أسماه هتلر الحل النهائي لمشكلة اليهود بوضعهم في معسكرات الاعتقال سيئة السمعة -هو ما رآه المخرج المناسب بالنسبة له- قد استند إليه الإسرائيليون من خلال الاستطراد في سرد وقائع الإبادة الجماعية لتبرير إبادة جماعية أخرى (وهي إبادة الفلسطينيين)".
لقد رفض "ماركيز" الابتزاز الصهيوني في قضية المحرقة قائلاً: "أما حكاية الملايين الستة من اليهود ضحايا هتلر، فمن الممكن إحالتها إلى ترسانة الخرافات اليهودية".
ويشير ماركيز إلى أن نظرية المجال الحيوي الصهيونية ارتكزت إلى أن اليهود شعب بلا أرض، وأن فلسطين أرض بلا شعب. هي ما قامت عليه الدولة الإسرائيلية غير المشروعة في 1948م، ولما تبين أن هناك شعبًا، وأن هذا الشعب الفلسطيني يسكن في أرضه، كان من الضروري حتى لا تكون النظرية مخطئة إبادة الشعب الفلسطيني، وهو ما تم بصورة منهجية منذ 50 عامًا.
نوبل غطاء للمذبحة
كانت هذه ثاني النقاط الهامة في بيان ماركيز؛ إذ أبدى استغرابه ودهشته بقوله: "من عجائب الدنيا حقًّا أن يحصل مثل مناحيم بيجن على جائزة نوبل للسلام تكريمًا لسياسته الإجرامية، فقد أعطته الجائزة في البداية الغطاء اللازم لأن يذبح، وبسلام وأمان، أكثر من 2000 لاجئ فلسطيني في المخيمات داخل بيروت عام 1982م، التي تطورت، في الواقع، خلال السنوات اللاحقة على يد مجموعة من أنجب تلاميذ المدرسة الصهيونية الحديثة، مع حتمية الاعتراف بأن الذي تفوق على الجميع هو التلميذ النجيب إريل شارون".
واعتبر ماركيز فوز بيجن والسادات بجائزة نوبل للسلام عام 1978م نوعًا من المكافأة على اتفاقية خادعة أرست قواعد السلام من طرف واحد وهو الطرف العربي، وهي الاتفاقية التي أودت بحياة السادات، وفتحت الفرصة أمام بيجن وتلامذته لارتكاب مزيد من المجازر.
"على الغرب أن يفيق من وهم اللاسامية" كانت هذه ثالث النقاط؛ إذ يحكي لنا في رواياته قائلاً: تصادف أن كنت في باريس، عندما ارتكب شارون -بغطاء من جائزة نوبل للسلام- مجازر صبرا وشاتيلا التي قتل خلالها ما يقرب من 3 آلاف فلسطيني في لبنان.
وتصادف أيضًا أن كنت في باريس، عندما فرض الجنرال "ياروزلسكي" سلطة العسكر ضد إرادة الأغلبية من شعب بولندا، أصابت الأزمة البولندية أوروبا بصدمة جعلتها تترنح من الغضب، وقمت شخصيًّا بالتوقيع على عدد كبير من البيانات التي تندد باغتيال الحرية في بولندا، وشاركت في الاحتفالية التي أقيمت تكريمًا لبطولة الشعب البولندي بمسرح (بير آدي بار) تحت رعاية وزارة الثقافة الفرنسية.
وعلى العكس من ذلك تمامًا ساد نوع من الصمت الرهيب عندما اجتاحت القوات الشارونية لبنان. علمًا بأن أعداد القتلى أو المشردين هناك لا تسمح بأية مقارنة مع ما حدث في بولندا.
وأدان ماركيز الصامتين على امتداد العالم الخائفين من الإعراب عن موقفهم، واحتجاجهم ضد هذه المجازر المستمرة حتى الآن رعبًا من اتهامهم بمعاداة السامية، وهم يبيعون بمثل هذه الطريقة أرواحهم في مواجهة ابتزاز رخيص كان عليهم أن يواجهوه بالاحتقار.
ضد التطبيع
ومن خلال بيانه أدان "ماركيز" مواقف مثقفين عرب نادوا بتطبيع العلاقة مع إسرائيل، وهو ما يدفعني إلى التفكير في بعض مواقف عدد منهم، وبشكل خاص الكاتب العربي الوحيد المساوي لمستوى مركيز على الصعيد العالمي الأديب المصري الكبير/ نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1988م، الذي لم يجد ما يعلق عليه سوى الجانب الشكلي للبيان بقوله لأسبوعية "أخبار الأدب" القاهرية - في عددها السابق الصادر في 17-مارس-2002م- قائلاً: "إن قيمة هذا المقال أنه يجيء من كاتب غير عربي؛ إذ كتب الكتاب العرب ويكتبون وسوف يستمرون في إبداء رأيهم، ولكن لا يُصغى إلى أصواتهم في الغرب؛ لأنهم طرف في الصراع".
وذكرنا محفوظ بما كتبه عن القضية الفلسطينية في كلمته التي كتبها بمناسبة حصوله على نوبل وقال: "إن ماركيز صوت قوي لا يمكن اعتباره معاديًا للسامية، إنما هو معبِّر عن الضمير الإنساني، وإنه يشكر الذين أيَّدوا مقال ماركيز وأيضًا الذين أحسنوا الظن به، وطالبوه بموقف مماثل، وقال: إنه عبر عن موقفه من قبل وفي مواقف عديدة".
في حين تجاهل محفوظ -في رأيي- الجوهر الذي تضمنه مقال البيان تجاه كامب ديفيد والتعامل مع إسرائيل ككيان صهيوني، وضمن هذا السياق يستلفِت النظر أن محفوظ في كل مشواره الإبداعي ورغم وصوله إلى التسعين، ومعايشته أحداث المنطقة كاملة لم يكتب كلمة واحدة عن القضية الفلسطينية التي أثرت وما زالت تؤثر بشكل عميق على كل المنطقة العربية، وخاصة مصر، في أي رواية من رواياته، كما يؤكد الباحث والناقد المصري "صبري حافظ"!!
وكان الأولى -من وجهة نظري- أن يندفع محفوظ إلى جانب الشعب الفلسطيني في محاربته إسرائيل، بدلاً من كونه أول المثقفين الداعين إلى عقد الصلح مع إسرائيل، وذلك في حديث له أثناء لقاء المثقفين المصريين مع الرئيس الليبي معمر القذافي في عام 1972م؛ مبررًا ذلك بعدم قدرة العرب على محاربتها.
وهو ما جعله يشذّ عن موقف غالبية المثقفين المصريين إثر توقيع اتفاقيات كامب ديفيد؛ ليعلن عن تأييده لها دون أن يرى تأثيرات ذلك على المدى البعيد على المصالح الإستراتيجية المصرية أو العربية، وقد عانى محفوظ كثيرًا؛ بسبب هذا الموقف، حيث منعت أعماله من دخول الدول العربية، ولم يرفع الحظر إلا بعد حصوله على نوبل، كما جاءت مواقفه تجاه الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية تفتقد -في رأيي- الصلابة والتضامن المنتظرين ممن مثله.
وينطبق هذا أيضًا على غيره من كتاب عرب مشهورين، بعد أن أعلنوا عن مواقف مرحّبة في التطبيع مع إسرائيل، مثل: المغربي طاهر بن جلول الذي زار إسرائيل، ومحمد شكري الذي رحَّب بتوقيع اتفاقات مع دور نشر إسرائيلية لترجمة أعماله إلى العبرية، كما اندفع غيرهما لفتح الحوار مع الكتَّاب الإسرائيليين.
بيان ماركيز يجعلنا نتطلع لإجابة عما إذا كان يمكن لبعض مثقفينا أن يعيدوا قراءة مواقفهم، وهم أصحاب المصلحة الحقيقية في تبني

مواقف "جابريل غارثيا ماركيز" الإنسانية والحقيقية فيما يتعلق بقضيتنا.

رحيل جورج حبش - مؤسس حركة القوميين العرب


أسس «حركة القوميين العرب» و«الجبهة الشعبية» ... جورج حبش ... ضمير فلسطين ورمز وحدتها الوطنية







ماهر الطاهر*


في مساء يوم حزين (السبت 26/1/2008) وفي قلب العاصمة الأردنية – عمّان، توقف عن الخفقان قلب رجل كبير كان من أصدق الرجال وأخلص الرجال وأصلب الرجال، الدكتور جورج حبش، مؤسس حركة القوميين العرب قبل ستة عقود، ومؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قبل أربعة عقود.
آخر الكلمات التي سمعتها منه في غرفة العناية المشدّدة في مستشفى الأردن قبل يوم من رحيله وكان في كامل وعيه، سؤاله عن أخبار قطاع غزة والحصار المفروض على أهلنا هناك، ولما أخبرته أن الناس اقتحموا المعبر ابتسم قائلاً: سيأتي اليوم الذي تزول فيه الحدود بين الدول العربية ويتحقق حلم الوحدة.
بقلوب يعتصرها الحزن والألم، تودع فلسطين والأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم كله القائد الرمز، المناضل الفلسطيني والقومي العربي الكبير جورج حبش الذي أفنى عمره حتى آخر لحظة من حياته في خدمة قضية شعبه وأمته وفي خدمة قضية الحرية في العالم.
بقي قابضاً على المبادئ كالقابض على الجمر، على رغم كل الظروف والعواصف والتحولات.
غادر موقعه كأمين عام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بمحض إرادته لأنه آمن بالديموقراطية والتجديد، وأصر على ترك موقعه على رغم مطالبة رفاقه له بالبقاء.
غادر موقعه ولم يغادر مواقفه ومبادئه وقناعاته، وبقي يقدم النصيحة والمشورة حتى آخر لحظة من حياته، وكانت وصيته التمسك بالمبادئ ومواصلة النضال والمقاومة وتحقيق الوحدة الوطنية كشرط للانتصار وتحرير فلسطين.
في هذه السطور نقدم لمحة موجزة عن هذا القائد الفلسطيني والعربي الذي شكلت قضية فلسطين والوحدة العربية هاجسه اليومي منذ النكبة عام 1948 وحتى لحظة رحيله.
الميلاد والنشأة والتكوين
- ولد جورج حبش في الأول من آب (أغسطس) 1925 في مدينة اللد.
- بدأ دراسته في المدرسة الإنجيلية في المدينة نفسها، وانتقل بعد ذلك إلى مدرسة اللد الحكومية، وبقي فيها حتى إكمال المرحلة الابتدائية.
- تابع قسماً من دراسته الثانوية في المدرسة الأرثوذكسية في مدينة يافا، لأنه لم يكن في اللد ما يتجاوز دراسة المرحلة الابتدائية.
- واصل استكمال دراسته الثانوية في القدس، لأن المدرسة الأرثوذكسية في يافا لم تكن تشمل المرحلة الثانية بكاملها.
- أنهى دراسته الثانوية عام 1942 ونجح بتفوق.
- بعد حصوله على الشهادة الثانوية مارس التدريس لمدة عامين في يافا، في المدرسة التي تعلم فيها.
- في عام 1944 التحق بالجامعة الأميركية في بيروت، لدراسة الطب.
- تأثر كغيره من أبناء فلسطين منذ الصغر بالأحداث السياسية في بلاده.
- تأثر بشكل خاص بالإضراب الكبير عام 1936، والثورة المسلحة أعوام 1936 – 1939.
- أحدث قرار التقسيم عام 1947 صدمة كبيرة في نفسه، ولم يكن يتصور أن من حق أحد أن يقسم وطنه ويحرمه من أرضه، أرض الآباء والأجداد عبر آلاف السنين.
- بعد قرار التقسيم أصبح تفاعله وتأثره بالأحداث السياسية أبعد مدى وأكثر عمقاً.
- في عام 1948، بدأت قوافل من الفلسطينيين الذين طردتهم عصابات شتيرن والهاغاناه بالتدفق على لبنان ومعظمهم كان من شمال فلسطين.
- لا يمكن أن ينسى الحال المأسوية التي كان عليها أبناء فلسطين، ولا يزال يتذكر بعض النشاطات التي قام بها ضمن مجموعات من الطلاب، حاولت أن توفر للناس بعض المتطلبات الدنيا للعيش من غذاء وكساء.
- مع انتهاء السنة الدراسية في صيف عام 1948، وجد أنه لا يستطيع البقاء في بيروت على رغم طلب أهله وأصدقائه، فتوجه إلى فلسطين من طريق شرق الأردن، لأن طريق الناقورة أصبحت غير سالكة.
- من شرق الأردن – عمان ذهب إلى بيت والده الذي بدأ حياته العملية في بيع بعض البضائع في القرى المحيطة بمدينة اللد، ومع الوقت تحسنت أوضاعه، وافتتح محلاً تجارياً في يافا وفي القدس.
- في الأيام التي سبقت احتلال اللد، لا يزال يذكر أن الثوار الفلسطينيين المدافعين عن وطنهم كانوا يتصدون لجيش الهاغاناه، ويدافعون عن اللد من الأطراف.
- كانت صدمته كبيرة عندما عرف أن اللد سقطت في أيدي القوات الصهيونية، ولم يكن قادراً على تصور ذلك. وتساءل مع كل الناس: أين الجيوش العربية؟
- يذكر أنه بعد أيام قليلة من احتلال اللد، ألقيت قنبلة على العصابات الصهيونية، فاتخذ هذا الحادث ذريعة للهجوم على بعض الناس المجتمعين في مسجد المدينة، وقتل عدد منهم.
- في تلك الفترة عمل جورج حبش في مركز للإسعاف، ولم يكن يعرف ما حل بأهله، وأهله لا يعرفون ما حل به.
- فوجئ بإحدى قريباته التي تمكنت من الوصول إلى مركز الإسعاف تطلب منه ضرورة الحضور للقاء مع شقيقته.
- كان يعرف أن شقيقته الكبرى مصابة بمرض التيفوئيد، واستطاع أن يستنتج أنها على الأرجح قد فارقت الحياة.
- اضطر أن يتحرك إلى بيت أخته، وفي الطريق لا يزال يذكر صور الكثير من جثث المدنيين العزل من السلاح ممن يعرف بعضهم، والذين قتلوا بأيدي الصهاينة.
- بعد وصوله إلى البيت علم أن شقيقته توفيت، وأن أهله اضطروا لدفنها في حديقة البيت بسبب استحالة الوصول إلى المقبرة.
- أثناء وجوده مع أهله في البيت تأتي مجموعة من الجنود الصهاينة وتطالبهم بمغادرة المنزل من دون أن يعرفوا إلى أين ولماذا؟ وفي الطريق جنود جالسون يشيرون لهم كيف يسيرون، حتى وجدوا أنفسهم خارج مدينة اللد.
- لا يزال يذكر ذلك اليوم الحار جداً، من شهر رمضان المبارك، حين كان بعض كبار السن غير قادرين على مواصلة السير بسبب العطش.
- كان أفراد الهاغاناه يفتشون الناس الخارجين من اللد، يسلبون النساء جواهرهن، والناس يشعرون بالخوف والضياع، الأطفال يصرخون، الشيوخ يلهثون، فأي إنسان يقاوم التفتيش يتعرض للرصاص.
- لا يزال جورج حبش يذكر ابن الجيران الذي حاول مقاومة التفتيش فأردي قتيلاً.
- شقيقة ابن الجيران الذي قتل تفارق الحياة بنوبة قلبية حزناً عليه.
- مآس لا يمكن وصفها ستبقى شاهداً على همجية الصهاينة وفاشيتهم.
- وصل جورج حبش مع أهله إلى رام الله، وأقاموا هناك.
- كان الناس يتلقفون الأخبار، ويعتقدون بأنهم سيعودون خلال أيام أو أسابيع.
- كان شعور الناس: هل معقول أن يتركنا العالم ويصمت على هذه الجريمة؟ وهل معقول أن تتخلى عنا الجيوش العربية؟.. لا يمكن تصور ذلك ولا بد أننا سنعود خلال أسبوع أو أسبوعين.
- أسئلة كثيرة كانت تدور في ذهن جورج حبش في تلك اللحظات. وكان يسترجع بعض كلمات الأساتذة الأميركيين، في الجامعة الأميركية في بيروت، عن الحرية والكرامة، وحقوق الإنسان. وكان يتساءل: هل من المعقول أن كل الأشياء التي كنا نسمعها خدع وأكاذيب؟
- بعد النكبة، عاش جورج حبش صراعاً نفسياً حاداً بين إكمال الدراسة، أو التوقف عنها، انتهى بإكمال الدراسة بناءً على إلحاح والدته بشكل خاص، التي كانت تحلم أن تراه طبيباً.
- عاد إلى الجامعة، لكن تفكيره واهتمامه ومشاعره، انصبت حول المأساة التي حصلت.
الحياة السياسية والنضالية
- ترك احتلال القسم الأكبر من فلسطين آثاراً عميقة في تفكير جورج حبش، وكانت مشاعره تتأجج بالغضب والتحدي، وضرورة الرد على ما حصل.
- كانت جمعية العروة الوثقى في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1949، منتدى يهتم باللغة والآداب، حولته مجموعة من الشباب، من ضمنهم جورج حبش، إلى منتدى للنشاط السياسي والفكري. ومن خلال بعض النشاطات، حاول الشباب العربي الإجابة على أسئلة تفسر ما حصل في فلسطين. وكيف حصل، وما هو الرد.
- يذكر جورج حبش أنه تم تنظيم سلسلة من الندوات، تحدث فيها كبار ويتذكر منهم الشاعر العربي الكبير عمر أبو ريشة.
- كان الشباب العربي في تلك الفترة، يعاني حالاً من التمزق والغضب، والبحث عن طريقة للرد.
- كانت مشاعر جورج حبش وقناعاته، تتبلور باتجاه أن العنف هو الطريق الوحيد لاسترداد الحق، ومن هنا كان تحركه مع مجموعة صغيرة من الشباب العرب، الموجودين في سورية ولبنان والمشرق العربي لتشكيل «كتائب الفداء العربي».
- قامت كتائب الفداء العربي ببعض العمليات في ذلك الوقت، وبضرب بعض المؤسسات الصهيونية في الوطن العربي.
- انكشف تشكيل «كتائب الفداء العربي».
- بدأت تتبلور لدى جورج حبش فكرة وأهمية العمل من خلال الجماهير، وبين صفوفها، وهذا ما قاد إلى بداية التفكير بتأسيس حركة القوميين العرب.
- في بداية عام 1951، تخرج جورج حبش في الجامعة. وبدأ مع الشباب يفكر: وماذا بعد؟ وصلوا إلى حل أن يبقى في الجامعة الأميركية ويعمل على محاولة التدريس فيها بهدف الاستمرار في تعبئة وتنظيم الشباب العربي.
- في يوم، عندما كان معيداً في الجامعة، تم التخطيط لتظاهرة، فأحيطت الجامعة بالإجراءات الأمنية، وأغلقت أبوابها لمنع التظاهرة. وكانت الطريقة الوحيدة للتحدي والنجاح أن ينزل جورج حبش والشهيد وديع حداد، وغيرهم ويفتحوا الباب بالقوة.
- عرفت إدارة الجامعة أن أحد أساتذتها يحرض الطلاب على التظاهر ويخلع باب الجامعة، فقدم جورج حبش استقالته.
- بعد الاستقالة، تم الاتفاق أن يغادر جورج حبش إلى عمان لافتتاح عيادة، وبعد فترة يلحق به وديع حداد.
- في عمان افتتح جورج حبش عيادة طبية.
- أصبح الأردن المركز الذي يشرف من خلاله، جورج حبش، على ألوية حركة القوميين العرب، التي بدأت تتشكل في لبنان وسورية والخليج والعراق.
- في الأردن تم التفكير بضرورة شق مجرى للعمل بين الجماهير، من خلال بعض الوسائل وأهمها: العيادة المجانية، العمل في أحد نوادي الشباب، مدرسة لمكافحة الأمية، إصدار مجلة أطلق عليها اسم مجلة «الرأي».
- تابع جورج حبش، هذه النشاطات في الأردن، في الوقت الذي أشرف على النشاطات الأخرى في لبنان والكويت وسورية والعراق.
- انتقل إلى دمشق ثم غادر إلى الأردن.
- وبعد عودته جرت انتخابات نيابية، شارك فيها ومجموعة من أعضاء الحركة وأصدقائها بهدف الاتصال مع حركة الجماهير، وحصل جورج حبش على أصوات أكثر مما كان يتوقع، على رغم أنه لم ينجح في الانتخابات.
- في عام 1956، عقد المؤتمر التأسيسي الأول في الأردن، وتم اختيار اسم حركة القوميين العرب. وحضر المؤتمر مندوبون من: لبنان، العراق، سورية، الأردن، الكويت، وفلسطين.
- بعد قيام الوحدة بين مصر وسورية وتصاعد المد الناصري والتفاف الجماهير العربية حول قيادة عبد الناصر، طرح بعض مسؤولي الحركة سؤالاً حول مبرر استمرار وجود الحركة.
- جورج حبش مثل وجهة نظر أكدت ضرورة وأهمية تنظيم حركة الجماهير عبر إطار سياسي. وأن عبد الناصر يمثل القيادة الرسمية للجماهير العربية، والحركة واجبها تنظيم وتعبئة هذه الجماهير للنضال من أجل تحقيق الشعارات التي رفعها عبد الناصر.
- غادر جورج حبش الأردن إلى دمشق لتحديد الموقف، ومتابعة قيادة أوضاع الحركة، ورسم برنامج المستقبل بطموحاته الكبيرة.
- في صيف 1959 تم تأسيس ألوية لحركة القوميين العرب في ليبيا والسودان واليمن (بشطريه الشمالي والجنوبي)، ومناطق أخرى من الخليج العربي.
- عام 1961 وقع الانفصال، وانفك عقد الوحدة بين مصر وسورية. فقامت التظاهرات والتحركات الجماهيرية المطالبة بإعادة الوحدة، وإسقاط الانفصال. ولعبت الحركة دوراً في تحريك الشارع العربي، وبشكل خاص في سورية.
- في هذه الفترة تم اعتقال جورج حبش ثم أفرج عنه.
- عام 1963، حصل انقلاب جاسم علوان في دمشق، والذي كان يستهدف إعادة الوحدة الفورية مع مصر، وكان جورج حبش أحد المتهمين بالتخطيط لهذا الانقلاب.
- اختفى جورج حبش لمدة تسعة شهور، غادر بعدها إلى لبنان لقيادة عمل حركة القوميين العرب.
- بداية عام 1964، غادر جورج حبش إلى القاهرة، لمقابلة الرئيس عبد الناصر، وتكونت بينهما علاقات صداقة ومودة.
- طرح جورج حبش على عبد الناصر، موضوع الكفاح المسلح في جنوب اليمن، والكفاح المسلح في فلسطين، ودار نقاش طويل حول الموضوعين كانت نتيجته بدء الكفاح المسلح في جنوب اليمن الذي انتهى بطرد القوات البريطانية، وكذلك الاتفاق على بدء الإعداد للكفاح المسلح الفلسطيني على أن يتم التنفيذ في اللحظة المناسبة.
- عام 1967 وقع زلزال الخامس من حزيران (يونيو)، وكانت الصدمة الكبيرة والتحول النوعي العميق في فكرة جورج حبش.
التطور الفكري والسياسي (الثوابت والتحولات)
- شكلت هزيمة الخامس من حزيران نقطة تحول عميقة في مسار تفكير جورج حبش، وحركة القوميين العرب، وحصل في ضوء هذه الهزيمة أكبر تطور فكري لدى جورج حبش.
- كان بعد تجربة الانفصال عام 1961، وسقوط تجربة الوحدة بين مصر وسورية، بدأ يفكر بأهمية القضية الطبقية، أي تبني الاشتراكية العلمية، وأهمية العمل الوطني ضمن الإطار القومي. لكن هذا التفكير لم يتبلور بصورة واضحة إلا بعد هزيمة حزيران التي بلورت العديد من القضايا السياسية والنظرية في ذهن جورج حبش خلاصتها وأهمها:
1- أهمية الفكر الثوري، والمسألة الاجتماعية الطبقية.
2- الإطار القومي للنضال العربي: لا يجوز أن يغيب أهمية وإبراز النضال الوطني والشخصية الوطنية الفلسطينية.
3- الجماهير المنظمة والمعبأة هي وحدها صانعة التاريخ، وهي الأساس في معركة التحرير.
4- أهمية وضرورة العنف والكفاح الجماهيري المسلح كأرقى شكل من أشكال النضال، في مواجهة العدو الصهيوني.
5- ترابط حلقات النضال الثلاث: الفلسطينية، والعربية، والأممية.
- هذه الموضوعات والاستخلاصات النظرية والسياسية، التي بلورتها الهزيمة مهدت لنشوء وتكون «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين».
- بعد هزيمة حزيران تم الإعداد لتأسيس الجبهة. وفي الحادي عشر من كانون الأول (ديسمبر) 1967 تأسست الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهذا المنعطف لم يكن يعني انتهاء قناعات جورج حبش في ما يتعلق بالقضية القومية والوحدة العربية، ولكن التركيز والاهتمام أصبح منصباً على العمل الوطني الفلسطيني والقضية الفلسطينية التي ستلعب دوراً أساسياً في تحقيق الوحدة.
- شكل تأسيس الجبهة الشعبية انطواء مرحلة في عمل ونضال حركة القوميين العرب وبداية مرحلة جديدة.
- في آذار (مارس) 1968، اعتقل جورج حبش في سورية، وشكل الاعتقال فرصة ثمينة له لتكثيف مطالعاته.
- نجح في الهروب من السجن في سورية، من خلال عملية دقيقة خطط لها وديع حداد، وغادر إلى لبنان، ثم سافر إلى القاهرة، حيث قابل الرئيس الراحل عبد الناصر للمرة الأولى بعد هزيمة الخامس من حزيران.
- جرى عتاب بين عبد الناصر وجورج حبش، بسبب نقد بعض جوانب التجربة الناصرية، وأوضح جورج حبش موقفه وقناعاته المبدئية. وجرى الاتفاق على ضرورة استمرار التعاون ودعم المقاومة الفلسطينية المسلحة.
- وقف جمال عبد الناصر موقفاً مبدئياً في دعم الكفاح المسلح الفلسطيني وقال لجورج حبش سأكون مع أي مناضل يقاتل ضد إسرائيل.
- كان عام 1972 من الأعوام الصعبة بالنسبة لجورج حبش، حيث أصيب بأزمة قلبية حادة، وفوجئ باغتيال رفيقه غسان كنفاني.
- في آب (أغسطس) 1973 يقوم الطيران الحربي الإسرائيلي، بمحاولته الأولى لاختطاف طائرة الـ «ميدل إيست» (شركة طيران الشرق الأوسط) المتوجهة من بيروت إلى بغداد، والتي كان يفترض أن يكون على متنها جورج حبش، لكن جنرالات إسرائيل وعلى رأسهم موشي دايان يصابون بخيبة أمل. حيث تم إجبار الطائرة على الهبوط في أرض فلسطين، لكن جورج حبش لم يكن على متنها.
- في عام 1975، واجه جورج حبش الحرب الأهلية في لبنان. وأكد ضرورة أن يكون التحالف الفلسطيني – الوطني اللبناني بقيادة الحركة الوطنية، وليس العكس.
- في عام 1978 تقوم إسرائيل بمحاولة اجتياحها الأولى للجنوب اللبناني، ويعطي جورج حبش التعليمات للقيادة العسكرية للجبهة بالصمود والتصدي للعدوان، وعدم الانسحاب من مدينة صور مهما كانت النتائج.
- في عام 1979، بدأ جورج حبش بالإعداد للمؤتمر الوطني الرابع للجبهة الشعبية وأنجز التقرير السياسي للمؤتمر.
- في عام 1980 أصيب جورج حبش بأزمة صحية وأجريت له عملية جراحية في الدماغ كان من مضاعفاتها أصابته بالشلل النصفي.
- خضع لعناية طبية مكثفة، اشترك فيها الطاقم الطبي للرئاسة الجزائرية وأرسل له الرئيس الراحل حافظ الأسد، الذي ربطت جورج حبش به، صداقة عميقة، طائرة نقلته من بيروت إلى دمشق ثم إلى الخارج لتلقي العلاج.
- في نيسان (ابريل) 1981، عُقد المؤتمر الوطني الرابع للجبهة الشعبية بعد شفاء جورج حبش، وكان من أنجح المؤتمرات في حياة الجبهة.
- قال جورج حبش في جلسة افتتاح المؤتمر: «أنه يشعر بالفخر والاعتزاز، لأنه أسس عملاً سيستمر ويتواصل وينتصر».
- في عام 1982، وأثناء الحصار الإسرائيلي لمدينة بيروت، رفع جورج حبش شعار: لنجعل من بيروت أسطورة في الصمود، وصمد شعب لبنان وفلسطين لأشهر عدة.
- في أحد أيام الحصار، وبعد قصف الطيران الإسرائيلي الهمجي على بيروت لمدة 18 ساعة متواصلة، وبعد أن تغيرت معالم بيروت البطلة، سأله أحد الصحافيين الأجانب: ماذا يوحي لك هذا القصف؟ أجاب جورج حبش: المزيد من حب السلام، المزيد من حب الأطفال، المزيد من التصميم على مواجهة العدو لاجتثاث المشروع الصهيوني وبناء السلام.
- عاشت الساحة الفلسطينية بعد الخروج من بيروت أزمة داخلية، عاصفة، وانقساماً عميقاً، كاد أن يهدد وجود الثورة الفلسطينية.
- بعد مرور 4 سنوات على الأزمة الداخلية والانقسام في منظمة التحرير الفلسطينية، جرت حوارات بين جورج حبش والشهيد أبو جهاد/خليل الوزير في العاصمة التشيكية. وتعرف جورج حبش على أبو جهاد عن قرب، وتلمس إمكانيات استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية.
- في نيسان 1987، عُقد المجلس الوطني الفلسطيني في العاصمة الجزائرية.
- في التاسع من كانون الأول 1987 اندلعت انتفاضة الشعب الفلسطيني في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة.
- نظر جورج حبش إلى الانتفاضة باعتبارها محطة نوعية هامة ومنعطفاً تاريخياً يؤسس لمرحلة جديدة في النضال الوطني الفلسطيني بشكل خاص، والنضال التحرري العربي بشكل عام، فرفع شعار: لتكن الانتفاضة محور عملنا في الجبهة الشعبية والثورة الفلسطينية.
- أكد جورج حبش أهمية الحماية السياسية للانتفاضة، والتمسك الثابت بشعارها الناظم المتمثل بتحقيق الحرية والاستقلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وحق العودة، ورفض بحزم سياسة التنازلات المجانية لبعض الاتجاهات في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية.
- مرت تجربة الدكتور جورج حبش النضالية، القومية الوطنية، على امتداد العقود الستة الماضية بمنعطفات كبيرة وتطورات عميقة، ولكن على رغم كل التحولات، فإن تجربة الحياة الغنية بلورت في ذهن جورج حبش مجموعة من الثوابت تمثل جوهر تفكيره ومنطلق مواقفه، أهمها:
1- حقيقة الكيان الصهيوني، ككيان عنصري استيطاني، يمثل أسوأ ظاهرة استعمارية في هذا العصر، لا يمكن التعايش معها، أو التسليم بوجودها.
2- ترابط أشكال النضال وفي طليعتها العمل المسلح، كأرقى شكل كفاحي تفرضه طبيعة العدو العنصري الذي نواجهه.
3- ترابط النضال الوطني الفلسطيني مع النضال العربي، وأهمية إبراز الشخصية الوطنية الفلسطينية كنقيض للمشروع الصهيوني، ولكن في الوقت نفسه، الإيمان العميق والعلمي بقومية المعركة وترابط النضال الفلسطيني الوثيق والجدلي مع نضال حركة التحرر الوطني العربية.
إيمان جورج حبش بالوحدة العربية لم يتزعزع على امتداد تاريخ كفاحه الطويل، فقد آمن بعمق أن الجماهير العربية وقواها الطليعية على رغم واقع التجزئة والكيانات القطرية ستتمكن من تحقيق وحدتها وبناء مجتمعها الديموقراطي الاشتراكي الموحد.
4- أهمية وضرورة الربط الدقيق والواضح بين التكتيك والاستراتيجية، التي تستهدف في النهاية تحرير كامل تراب فلسطين.
5- أهمية الحفاظ على الوحدة الوطنية الفلسطينية كشرط أساسي من شروط الانتصار.
6- أهمية ترابط وتكامل حلقات النضال الفلسطيني والعربي والأممي.
- في المؤتمر العام السادس للجبهة في تموز (يوليو) 2000، ألقى حبش كلمة شاملة تضمنت قضايا أساسية في الفكر والسياسة والتنظيم جمعت خلاصة القضايا الجوهرية التي أراد التركيز عليها، وخاطب أعضاء المؤتمر موضحاً أسباب قراره بالتنحي عن موقعه، قائلاً: هناك سببان رئيسيان يقفان وراء قراره:
الأول: رغبة تبلورت لديه بتقديم مثال ونموذج بأن الإنسان المناضل والقائد يستطيع أن يستمر في العمل والعطاء من دون مواقع قيادية رسمية.
الثاني: شعوره أن من الأفضل أن يتفرغ لمهام بحثية من خلال توثيق تجربة حركة القوميين العرب، وتأسيس مركز للدراسات هدفه دراسة التجارب الوطنية الفلسطينية والعربية.
* عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - مسؤول قيادتها في الخارج.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
30 / 1 / 2008