من فضلك قم بزيارة مدونتى "تعالوا "

Sunday, April 20, 2008

مارسيل خليفة: السؤال في أوطاننا.. مكروه ويمس الأمن العام

علينا أن نناضل ونستمر في الصمود، وأهدي لعمال المحلة أغنية أحمد العربي

جريدة الأهالى -16/4/2008

تنشر «الأهالي» نص الكلمة التي ألقاها الفنان مارسيل خليفة في المؤتمر الصحفي الذي عقده في نقابة الصحفيين صباح الأحد الماضي قبل أن يغني في الأوبرا مساء أمس الثلاثاء احتفالا بالعيد الثلاثين لتأسيس الحزب.



أصدقائي لقد اعتدت دائما أن أحتضن العود، ذلك العود المجنون الذي استفرد وفتك بي وأفناني من شدة الولع.. وذلك الوتر الناعم الملمس كجسد المرأة الطالعة من لهفة الحب.
أوتار مزدوجة، متجاورة، متدفقة، في العرض والطول مثل المدرج الموسيقي، نتلاعب عليها من الجانبين بالريشة والأصابع.
نجرحها، نداعبها، نحن عليها، نفترسها بتشفير الريشة المسنونة، المتحكمة في لقاء الأوتار والأصابع نتوغل بالريشة نحو الأعمق، أوتار من قصب وحرير تفور في الأعماق، نقر علي وتر النوي فيتبعه الصوت ويتبعه الصدي، والعود في رهافة وسطوة يتقدم.
رنة ذائبة في نقرة تخرج من داخل واحد إلي دواخل لا تحصي، والعود الملتهب العاشق تختلط فيه حدود النقرة مع حدود النغمة.
وكنت ومازلت أتساءل؟ كيف تسنّي لتلك الغابات أن تنبت كل هذه الأشجار وتصبح مخلوقات فاتنة كالعود!.
الرقص علي الأوتار
ولكن اليوم في حضرة الأساتذة الصحفيين والإعلاميين والنقاد كان لابد من أن أضع العود جانبا وأستعين بالكلمة، وأنا عاشق لا يكف عن استدراج الكلمات للرقص علي الأوتار..
ماذا علي أن أقول؟
وماذا تنتظرون مني؟
بداية أوجه تحية لـ «الأهالي» لدعوتهم الكريمة.
للمورد الثقافي علي المتابعة والمساندة.
لدار الأوبرا علي الاحتضان..
وأنتم الأصدقاء الذين أوقعتموني في شراك الإعلام بوصفه كلاما علني أجد معكم مقعدا للحنين.. هل مازلنا قادرين علي الحنين؟ ورؤية المستقبل الغامض «نحبه دائما غامضا».. أعود إليكم، أعود إلي ذاتي.
أعود إلي القاهرة لأركب ما تفكك في النفس والزمن، رغبة في التعبير عن فرح داخلي، عن سعادة ما، وسط هذا الظلام الدامس، علنا نستطيع أن نفني هذا العالم، ونستبدل فوضاه؟ بالإيقاع والموسيقي والشعر والحب.
«حين بكي الطفل وأراد أن تقطف له أمه القمر.. أتت بدلو الماء وصوبته إلي السماء، مد الطفل يده إلي الماء فانكسر القمر، ضحك الطفل ثم نام..» صحيح أن الطفل ضحك ثم نام، أما أنا فبقيت ساهرا ألملم تناثر القمر علي وجه ذاكرة تموج كالماء الهارب من الولد، ليغطي مساحات شاسعة من الزمن، يصبح ماء الدلو جدولا، نهرا، بحرا، ضجيجا، غناء، رقصا، سُكرا، عرسا، وجعا، نارا، تصهر كل ما قسا في وتحجر وتعيده نقيا مثل قربانة أولي أو مثل قبلة أولي.
طفولتي زاخرة بالأحلام
أريد أن أقص عليكم ما أعرفه، وما أظن أنني أعرفه، لست خبيرا في أي شيء، غير أنني موسيقي غائص في الموسيقي منذ طفولة الأشياء، وحاولت علي مدي السنين أن أنقل علي أشرطة لتسجيل ذلك القلق لمجابهة أسئلة الإبداع وقلق الواقع الذي نصطدم به هنا وهناك.
لا أقول إن الحق معي فيما يتعلق بآرائي، لا أحد يقدر أن يكون مصيبا دون أن يكون مخطئا، ولا أدعي بأنني أقول جديدا.
آلاف السنوات الضوئية تفصلني عن طفولة كانت زاخرة بالأحلام.
نشأت في قرية ساحلية علي شاطئ المتوسط في جبل لبنان، وكنت جزءا من تلك الطبيعة الممزوجة بالعروبة الحقة والممتدة من «المحيط الهادر إلي الخليج الثائر» بالطبع بين مزدوجين.
أنا اللبناني العربي سليل هذا الماء وهذا الهواء وابن هذه المعاني التي تشربتها وانتهلت من ينابيعها وصقلت وجداني.
لكني اليوم حزين أيها الأصدقاء وغاضب إذ أري الوطن العربي يتمزق وساسه يعتنون بمصالحهم الخاصة وقيما نبيلة تداس وعذابا إنسانيا يتضاعف وشقاء اجتماعيا يلد اليأس، ومباديء تباع وتشتري وألسنة تؤجر نفسها للسلطة والمال، وثقافة تذوي، وفنا تعبث به يد القذارة، وهواء يتلوث وأفقا ينسد ويدلهم إنه شبح مخيف وكابوس مزعج ينخر الذاكرة ويمسح ما تبطن فيها.
وها إن الحزن والغضب يعتصران قلبي «وأحسب أنهما يعتصران قلوبكم جميعا» ونحن نعاني هذا القدر الفظيع من العدوان البربري علي كرامة وآدمية الفلسطينيين في غزة وعلي كرامة وآدمية العراقي في بغداد والموصل، وعلي العربي في أن يكون إنسانا مجرد «إنسان»!.
إن الذين يسفكون دماء الأطفال والنساء في جباليا وخان يونس وبيت حانون وذيالي وبعقوبة وبغداد وسامراء والبصرة هو نفسه الذي سفك دماء أطفالنا ونسائنا وشيوخنا في قانا وعرسال وصور والضاحية وبنت جبيل وعيشا الشعب والخيام وعيناتا القاتل هو نفسه، وأداة القتل هي نفسها.. والأنظمة العربية تتواطأ مع القاتل.
السؤال محرم في حياتنا العربية وفي كل الحقول من السياسية إلي الدينية والثقافية والأخلاقية، السؤال بمعناه الفلسفي والثقافي غير مستحب ومكروه ويمس بالأمن العام.
ثمة أجوبة لكل شيء عندنا، لكل تفاصيل الحياة والموت، وعندما نبادر بطرح الأسئلة يبدأ القمع وتبدأ المشكلات.
بين الآني والبعيد
الانحطاط الذي نتعرض له ليس ناتجا عن قصور ذاتي مع الأشخاص بوصفهم أفرادا تنقصهم المعرفة والموهبة، ولكنه نتاج موضوعي للواقع السياسي والاجتماعي الذي تحميه المؤسسات والسلطات وتقوم عليه، فحرمان المجتمع من البوح الحر سوف يؤدي عبر الوقت إلي صدأ الحساسية الثقافية.
ثمة جثث لا تحصي تتحكم فينا، يحضرون بوهم صلاحيتهم الأبدية للتحكم، يطمئنوننا بأن الماضي مستتب بوصفه أمنهم الخالد، والزمن يمر بطيئا يطحن عظامنا ويسحق الروح منا.
لنتحرر من سلطة النظام والعشيرة والقبيلة والمؤسسة الدينية.
أصدقائي
هل مازالت القصيدة والأغنية والموسيقي والرواية؟
هل مازال الفن بشكل عام قادرا علي أن يغمد الفرح في الناس ويرفع عن صدورهم كربة الحبوط اليومي الثقيل، يأخذهم إلي حيث تنهار المسافات بين الآني والبعيد، السطحي والعميق، بينما وجدان تنتزل منازله ونصاباته تحت وطأة هزائم تطل علي الأنفس بالأقساط، وبين إرادة قدت من صخر الأمل الذاهب في مغامرة الوقوف علي قدمين راسختين أمام المشهد المنهار.
أصدقائي
فلنخترع أو فلنبتدع.. فرحا يقارع الحزن، وأملا يؤجل يأسا، وأفقا يفتح مجهولا، وأخضر يدفن يابسا، وهمسا يشيع صمتا.. وصرخة، تعيد تعريف القضية بعد إذ ضاعت في تلابيب الغموض.
لنتفقد ما تبقي لدينا من المعني الإنساني المسروق والمصادر.
وحين لا نجد من بقايا ذلك المعني غير النذر اليسير، نتزود منه بتلك الطاقة الخلاقة للناس ليتجدد بها ذلك المعني.
ويستأنف: ولا نجد غيرها معني الأشياء الهاربة من بين أصابعنا.. أو من حطام لغة زلفي تقول نفسها لنفسي «مشروخة» يهتز توازنها، أو جبلا يستنقذنا من وهاد السقوط النفسي في شراك الأسئلة البلهاء.
نزق الهروب
ليس بلسما - هذا اللقاء - في عصر جراحات تنكؤها معطيات اليومي فيشتعل الملح مع آلامنا، هو الاحتجاج علي جرح لم يندمل، وهذا الغضب الشادر مع هدأة جمالية لا تقضي وداعتها إغراءة الانصياع إلي ثورة اليأس، أو نزق الهروب من السؤال إلي جواب جاهز لا أفق له وتتحمل في جبتيه كلمة السر:
الجمال، الحب، الحرية، الديمقراطية، الخبز والورد.
تعالوا أصدقائي نصقل هذا بعناية وتؤدة:
دون كبير ضجيج أو استسهال، لنجدف تجديفا ضد القذارات المطلة من الشاشات والأبواق والإعلانات لتقتل الباقي، فينا من سكرات الحياة، فلنرابط عند نفير الذاكرة بعد إذ سقطت حصون الراهن الحامض في الحلق:
في البدء كان الكلام، مع البدء كان الجمال، مع البدء كان الخلق.. فلنصمد جميعا أمام غارات المرحلة، ولنحصن المعني العميق مع وجه كل صنوف التزوير، نحصن نفسنا بالناس الذين نخاطبهم ونخاطب العميق فيهم، دون أن نتنازل عن ألق البدايات، أو عن خطوط الدفاع عن المعني، عن الحب الجميل، لنقيم فيه موطنا للجمال بات يجلو عن وجداننا في عصر سياسة الغانيات وأشباه الغانيات من غير جنسهن ممن بتن - وباتوا - عنوانا عريضا لأسوأ النهايات التي ننساق إليها سوقا كالنعاج الصاغرات: مجتمعا، وثقافة، وبشرا!.
فلنضرم مع الدم ملح البدايات ونكتشف كلمة السر:
الحرية، لتنهار صروح الخارجين من صدوع حقبتنا العجفاء وتصدعاتها لنصرخ للوطن، ولينهض الوطن معني آخر مختلفا في النفوس.
أن نزف امرأة في أغنية، ليرتفع ميزان معناها الإنساني مع القصيدة والحياة لنعلو علي التعيين المنحط المدسوس في النص السياسي والفني، السائد المحروس بالمال والإعلام وتتداعي لها شوكة الميليشات والمافيات المدسوسة كالسم الزعاف مع قلب سياستنا وثقافتنا وذائقتنا ويومياتنا.
الحرائق الثقافية
نلتقي سويا في القاهرة علي البوح بإيمان حار بالإنسان والفن والجمال مع زمن آسن ينسجه طاغوت المال وشراهة التسليع لكل القيم الرمزية، لنكتشف سويا عيار نسبة السلامة والشواء مع الذائقة الجمالية أمام طوفان التفاهة المصنوعة مع فضائيات الذل والعار والخيبة والتهميش.
تخال العالم تغير وفقد المعني، وتقولبت القيم والأذواق في أقانيم الانحطاط والسخف، وقد نكاد نسلم بنجاح ماكينة الانحطاط مع صناعة جيل جديد مع الناس علي مقاس قيمها المسمومة، فلنعد إلي رشدنا، وإلي الإيمان بأن الإنساني مع الناس لا يسحق تحت أقدام الترويض البذيء، وأن الجميل يخرج دائما من رماد الحرائق الثقافية المدبرة، لنستعيد بعض ثقتنا بالأشياء حين نلحظ أن الجمهور الذي استحوذ علي بطاقات الحفلة مع جملة، شباب خرج إلي الدنيا مع عصر الانحطاط العربي الجديد.
حينها ندرك أن حبل العدوان علي الأنفس والأذواق قصيرة وأن الزبد يذهب هباء ولا يبقي في الأرض إلا ما ينفع الناس.
أصدقائي
هل مازلنا نقوي علي الحياة وعلي فتح الكوي لتهوية ساحة أو ساحات يستبد بها الاختناق السياسي والثقافي.
أصدقائي
رغم كل شيء
ورغم كل هذا السقوط
إن الحياة، مازالت ممكنة.
شكرا
مارسيل خليفة

مارسيل و«الأهالي»

الصديقات والأصدقاء الأعزاء يشرفني باسم جريدة الأهالي التي تحتفل بعيد تأسيسها الثلاثين أن أرحب بكم جميعا وأولكم الفنان المبدع مارسيل خليفة الذي يقدمه فنه العظيم بعد أن حوّل الموسيقي والغناء إلي عملية نضالية من طراز رفيع يجري فيها إطلاق سراح العقل والروح من قبضة الخوف، والتسلط والاستبداد والجمود والاستغلال وليصبح التحرير بذلك سيرورة وجدانية شاملة يغذيها الفن الجميل، ويرتفع بها لأعلي الذري حيث يتصالح الإنسان مع فطرته وذاته الأصيلة، باعتباره أرقي الكائنات.
فهم مارسيل الفن باعتباره كلية جدلية لا فحسب للعلاقات الاجتماعية وإنما أيضا لعلاقة الإنسان بالطبيعة في مجتمع منقسم إلي طبقات يسحق فيه القوي الضعيف، فهم «مارسيل» الفن علي هذا النحو دون أن يختزله في مساحة ضيقة بل حلق به في الفضائين الاجتماعي والكوني ، وتعرف علي وظائفه الوجودية للارتقاء بالإنسان عامة بصفته إنسانا، ذلك الإنسان الذي خرج بالفن والعمل، باللعب والجمال وخلق اليوتوبيا من طور التوحش ليستوي إنسانا وبالفن أخذ يضيء المناطق المسكوت عنها في تجربته وقرر أن لا يعوقه شيء حين سرق آلهته النار.
بحثنا في «الأهالي» طويلا عن معني المقاومة بالفن ونحن نتطلع لنكون صوت الكادحين ومنبر أحلامهم، ومن أجل وطن ترفرف عليه رايات العدالة والمساواة وكرامة الإنسان..فكان مارسيل خليفة هو كعبة الرجاء..مارسيل خليفة عازف الروح «بيمد إيده في الضباب يشد أنوار الصباح» وقد خرج فنه الجميل من رماد الحرائق..من الحرب الأهلية اللبنانية، من الصراع العربي الإسرائيلي، من انتمائه المنفتح لعروبة لا تتحقق إلا في إنسانيتها، ومن ريح الشرق التي تهب نسماتها علي العالم كله رغم البؤس والقهر والتسلط لتوقظ بحنان كل ما هو جميل وراق.
وقد وقفت الأهالي دائما مع حرية الإبداع دون قيد أو شرط إلا الإبداع نفسه، وساندت المغامرة الفنية التي تذهب بعيدا في الكشف والقدرة علي إثارة الدهشة والفرح بالوجود
الفن في الأهالي هدف في ذاته..وطريق للتحرر بأعمق معني..فإنما عبر الفن وحتي قبل الدين والفلسفة نجح الإنسان في إدراك المطلق والإمساك به روحيا لتبقي شعلة الأسئلة متقدة أبدا.
في الفن وبه تسعي الأهالي لسبر أغوار الروح الشعبية وهي تنطلق حرة من قبضة الاستبداد والقهر والخرافة..إذ رأت «الأهالي» دائما مع حزب التجمع الذي يصدرها أن معركة التحرير السياسية لا تكتمل إلا بالتجديد المجتمعي الشامل وتحرير العقل..فأهلا بمارسيل خليفة فنانا عظميا وفارسا لا يباري في هذا الميدان.
فريدة النقاش

في مؤتمره الصحفي مارسيل خليفة:
أحب معانقة العود وأهدي أغنية أحمد العربي لعمال المحلة
كتب أحمد زكريا:
«هو المبدع الذي يغني للمستقبل.. يغني لكل ما هو جميل ليبدد الكآبة والظلمة» بهذه الكلمات بدأ الصحفي الكبير مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين كلمته عن الفنان المبدع مارسيل خليفة الذي سيقوم بإحياء حفل مرور ثلاثين عاما علي تأسيس صحيفة «الأهالي»، والذي تلاه كلمة للكاتبة فريدة النقاش رئيسة تحرير صحيفة «الأهالي» ثم كلمة للفنان مارسيل خليفة.
وردا علي أسئلة الصحفيين تحدث مارسيل عن علاقته بالعود وحبه الشديد لمعانقته، لكنه يؤكد من ناحية أخري أن يكتب لجميع الآلات ولا يقتصر عمله عليالعود فقط «لكن حضن العود حلو».
وردا علي سؤال حول معاناة الفنان مارسيل مع بعض المشكلات مع العديد من الأنظمة العربية، لدرجة أن آفاق الحرية في الغرب أوسع من آفاق الحرية في الشرق، قال مارسيل إنه يحب الكتابة وعندما يفكر فإنه لا يكتب لإرضاء جبهة أو جهة معينة وإنما يكتب لأنه يريد أن يكتب شيئا.
ويضيف مارسيل أنه لا يجد أي غضاضة من القمع والمنع، فبعض الأنظمة لا تدخل اسطوانات مكتوبا عليها مارسيل خليفة وفي سؤال للكاتب الصحفي الكبير مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين حول التعرف علي بطاقة الفنان مارسيل خليفة السياسية باعتباره يرفض أن يكون منضما للأغلبية النيابية أو المعارضة
.

قال مارسيل : إن المشكلة الحقيقية في النظام «عندما كان في فرنسا وفي لبنان ركبت تركيبة طائفية غريبة.. وليس من الممكن أن يكون هناك نظام توافقي في ظل وجود ثماني عشرة طائفة» كما أكد مارسيل خليفة أن كل الأطراف العربية والعالمية تزيد الأزمة في المشكلة اللبنانية.
بادرة أمل
وردا علي سؤال تعلق بالإسفاف الذي تقدمه العديد من الفضائيات العربية، قال الفنان مارسيل خليفة إن ثمة بادرة أمل، فبمجرد أن طرحت «الأهالي» البطاقات نفدت في اليوم الأول لعرضها وكان أغلب المشترين للبطاقات من الشباب.
وعن مشكلة الفضائيات يضيف مارسيل أن المشكلة الحقيقية تكمن في أن الفضائيات تثبت نوعا واحدا من الأغاني معظمها ساقط يجب أن توجد تنويعة من الأغاني بحيث تكون الشعبية بجوار الشبابية وهكذا.
ويقول مارسيل إن عدم تقدير الفضائيات للفن الأصيل لا يحطمه، حيث إنه عائد من جولة طويلة من الولايات المتحدة الأمريكية وتوافد جمع كبير من الشباب من شتي الجاليات العربية وردا علي سؤال آخر للكاتب مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين حول أن البعض يعتقد أن مارسيل خليفة جيفارا وهويخن، قال مارسيل إنه لا يوجد نشيد واحد أو وقع عسكري في أغنيته، لكن أغنيتي بها دفء إنساني.
وتحدث مارسيل عن ارتفاع أسعار اسطوانات مارسيل خليفة لمائة جنيه، وقال إنه لا يتحكم في ذلك حيث إن هناك نسخا مزورة لكنه أكد أنه سوف يقوم بالتوقيع علي الاسطوانات في الأوبرا.
وفي موضع آخر أكد مارسيل أن أغانيه تزدهر في أي وقت وليس في وقت الحروب فحسب، وأشاد بالفنان محمد عبدالوهاب علي أنه فنان ملتزم، أضاف للموسيقي، وأن كل فنان يضيف للموسيقي فهو فنان ملتزم.
وعن مواقفه السياسية يقول مارسيل إن لديه موقفا وموقفا واضحا، فهو اشتراكي.
وعن علاقته بفيروز طبقا للسؤال الذي طرحه الكاتب مكرم محمد أحمد: قال مارسيل إنه تعلم كثيرا من الأخوين رحباني فهما يشكلان مدرسة حقيقية.
وعن أحداث المحلة، قال مارسيل: علينا أن نناضل ونستمر في الصمود، وأهدي لهم أغنية أحمد العربي

Tuesday, April 15, 2008

مخاطر الثقافة الرخيصة !!!!؟

كيف تسكن الأدمغة بأقل سعر ممكن؟

مخاطر الثقافة الرخيصة

نائل الطوخي -->

أخبار الأدب الأحد13/4 /2008



في الوقت الذي تحتاج فيه إلي ميزانية للتوجه إلي مكتبة للحصول علي كتاب فكري أو رواية جيدة أو أغنية راقية، فإنك تجد البدائل الرخيصة لهذه الأنواع في طريقك أينما تحركت، بداخل محطات المترو، مواقف الأوتوبيسات، وأرصفة الشوارع، وكله بتراب الفلوس!المشكلة أن الرواية ليست رواية، والفكر المطروح أكثر خطرا من الأمية، والأغنية المتوفرة تعادي الذوق، وشريط الوعظ ينمي التطرف ويعادي العقل!بجنيه أو بجنيهين يمكن للمواطن المصري الآن أن يصير داعية، علي الأقل بين معارفه، بكتاب يروج للحجاب أو بشريط يصف عذاب القبر، يمكن له أن يحوز سلطة الأمر والنهي والإفتاء.لسنوات طويلة ظلت هذه الثقافة، ويسميها البعض ثقافة الرصيف أيضا، تتسلل داخل عقل المجتمع حتي صارت جزءا أساسيا من تكوينه. بالطبع لا نلوم هنا المواطن العادي، الذي يسعي للحصول علي زاده الروحي مقابل جنيهات معدودة، وإنما نحاول معرفة كيف تغلغلت هذه الثقافة الرخيصة إلي داخل عقله، وكلنا أمل أن يستفيد صناع الثقافة "الثقيلة- من هذه التجربة، وأن يتوقفوا عن الانعزال في مكتباتهم الفاخرة وطبعات كتبهم التي تزيد أحيانا عن نصف دخل القارئ العادي.
***حاز شارع عبد العزيز شهرته بوصفه أكبر سوق لبيع أجهزة المحمول الرخيصة، ولكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، ففي سبعة شارع عبد العزيز يقع مصنع كبير أيضا لإنتاج الثقافة الرخيصة، حيث تتجاور شركات النور والمسك وإسلاميات هاي كواليتي لإنتاج الشرائط الإسلامية، والتي لا يتجاوز سعرالشريط منها أربعة أو خمسة جنيهات.البعض ممن يعملون في هذه الشركات بدا متوجسا، والآخرون رفضوا تماما الحديث، فبينما قال لي بائع بحدة: -الكل بيتكلم عن المشايخ. مش ناقصين يتكلموا علينا احنا كمان.- فإن مشتريا قد فاجأني بقوله: -بس ياريت ماتكتبش أن موضوع الكاسيت الإسلامي أصبح تجارة.- من وجهة نظر الجميع، وخاصة مستهلكي هذا النوع من الثقافة والعاملين الصغار فيه، فإن الموضوع أبعد ما يكون عن التجارة. حدثني بائع في إحدي شركات إنتاج الكاسيت الإسلامي قائلا أنه لو أراد الربح لكان قد عمل في شرائط الأغاني وخلافه، ولكنه اختار مكانه هذا في سبيل نشر الدعوة: -أنا أعمل هنا وأكسب الثواب بمساعدتي علي نشر الدين الإسلامي.-فرع إسلاميات هاي كواليتي قائم منذ عشر سنوات. وانتقل مكانه منذ عامين من العتبة إلي شارع عبد العزيز الآن، والبعض بداخله مقتنعون تماما أنه لا يحقق أرباحا، بالمقارنة بفرع الأغاني علي سبيل المثال، وهذا ليس أمرا سيئا طالما أن الحديث هو عن خدمة الدعوة. وكما أكد لي محاسب يعمل بالفرع فإن تكلفة تسجيل شريط الكاسيت الساعة هي جنيه وربع ويباع غالبا بسعر التكلفة، ولكن أحيانا ما يزداد سعره بسبب التوكيلات، فهناك شركة تحصل علي توكيل توزيع مقرئ أو أي داعية داخل مصر. -هاي كواليتي مثلا حصلت علي توكيل المقرئ الكويتي بشاري راشد، وبالتالي فليس من حق أحد توزيعه غيرها هي، ومن هنا يأتي غلاء ثمنه ليصل إلي أربع او خمس جنيهات، بالمقارنة مثلا بالداعية محمد حسان أو محمد حسين يعقوب، -بارك الله فيهم-، الذين يسمحان للجميع بتسجيل دروسهما، وبالتالي فشرائطهما أقل سعرا من غيرها. بعد ذلك يزداد ثمن الشريط علي حسب من يبيعونه.-"ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا-، هذه الجملة رددها أكثر من مرة المحاسب، غير أنها كانت تدل من وجهة نظره علي عدم جواز بحث العامل في سوق الشرائط الإسلامية عن الربح، وبالتالي وجوب بيع شرائط القرآن والدعوة بسعر رخيص، وليس بسعر غال: -إذا اهتم المنتج بالربح فلقد -قلبت معه تجاره- إذن، أي تجارة بدين الله وهذا حرام. بالنسبة لمن يشتري شريط الأغاني فإن سعر شريط القرآن "مش فلوس- وبرغم ذلك، فإن شخصا قد يشتري شريط الأغاني ولا يشتري شريط القرآن، ولا تفهم لماذا!!-ولكن هذا لا يمنع أن هناك أفضلية للشريط الإسلامي من وجهة نظره: شريط الأغاني ينفد ولا يسأل عنه أحد بعد ذلك، ولكن الشريط الإسلامي عليه طلب دائما، لأن -الإسلام بخير والمسلمين بخير-. والطلب في الغالب هو علي شيوخ الفضائيات: -المقرئ الكويتي بشاري راشد هو الأكثر شعبية الآن، وذلك لأنه يمتلك قناة فضائية اسمها -العفاسي-، والناس عرفته منها، بالإضافة إلي دعاة آخرين مثل محمد حسان، أبو إسحق الحويني، محمد حسين يعقوب، ومسعد أنور.-
***شارع العزيز بالله في حي الزيتون هو واحد من أهم تجمعات السلفيين في القاهرة. لوهلة يخيل للسائر بهذا الشارع أنه في إحدي الدول الإسلامية البعيدة، مثل أفغانستان أو باكستان، فالرجال في الغالب ملتحون ويرتدون جلابيب بيضاء قصيرة ويضعون الأسوكة في جيوبهم، والنساء منتقبات. في هذا الشارع أيضا يقع سوق كبير لترويج الثقافة الرخيصة، والتي هي في الغالب أيضا ثقافة أصولية.صاحب مكتبة ودار -سلسبيل- في هذا الشارع يعمل في هذا المجال منذ حوالي إثني عشر عاما، وما دفعه لهذا المجال، كما قال بيقين، هو "حبه لله-. وفي أثناء الحوار بيني وبينه بدا مترددا وهو يسألني عن الهدف من وراء الاهتمام بالمكتبات الإسلامية، وهل الهدف محاربة تيار معين أو الترويج لفكر ما!؟ وما أن اقتنع أن الهدف هو إلقاء الضوء لا أكثر علي الظواهر الثقافية في حياتنا حتي بدأ يشرح لي سياسة مكتبته. هو يبيع كتبه بمتوسط من جنيه إلي جنيهين ونصف وتكلفتها لا تزيد عن 85 قرشا. يسميها كتب -الرقائق-، وهي تعني كما يقول "بالتخويف والترهيب-، وهي الكتب الأكثر رواجا عنده كما يؤكد، ويطبع منها في المتوسط ألف نسخة أو ألفين. ويعتقد أن رخص ثمن الكتب هو سبب من أسباب -انتشار الدعوة-: -المواطن الآن لا يستطيع دفع مبلغ كبير وهو في أشد الحاجة إلي المأكل والملبس.- بينما لا يقبل علي الكتب الغالية عنده إلا المتخصصون والجامعيون. والكتب المطبوعة في بيروت علي سبيل المثال يمكن أن تظل عنده عاما كاملا ولا تبيع نسخة واحدة، بسبب غلاء سعرها وتخصصها: "المصريون في الغالب يريدون كتبا سهلة ومفهومة.-
***مصدر صناعة الكتب الإسلامية موجود في الأزهر، لذا ينظر التجار هناك إلي كتبهم بشيء من المهنية، أي أنهم ينظرون إليها باعتبارها صناعة وليس -دعوة-، كما يحدث في أماكن تجمع السلفيين الآخري. هكذا تتجاور في مكتبات الأزهر كتب الطهي وكيفية إسعاد الزوج مع كتب التداوي بالأشعاب والعلاج من السحر والحسد. دار المجلد العربي تقع في شارع الدراسة وتبيع كتب الأعشاب، والتي يبلغ متوسط سعرها ثلاثة جنيهات. يقول لي بائع هناك: -المريض الآن لم يعد بإمكانه تحمل أجرة الطبيب وشراء الأدوية الغالية، لذا يلجأ إلي هذه الكتب للتداوي.- تبيع المكتبة كتبها ذات القطع الصغير بالجملة إلي الموزعين، والذين يقومون بدةرهم بتوزيعها علي الأرصفة أمام المساجد أو في الأوتوبيسات، ومكسب هؤلاء الباعة يتراوح بين عشرة إلي عشرين بالمائة، هي العشرين بالمائة التي تقدمها له المكتبة خصما علي الطلبيات الجملة.في شارع درب الأتراك خلف الجامع الأزهر تقع المكتبة المحمودية. يتحدث صاحبها عبد الحليم إبراهيم عن عناوين كتب الطهي لديه، مثل -الأسماك والأكلات البحرية-، و-الأكلات المتنوعة-، والتي لا يتجاوز سعر الكتاب منها ثلاثة جنيهات. بالطبع هناك أفراد يشترون هذه الكتب، وهم في الغالب من النساء وبالأخص من كانت منهن علي وشك الزواج، ولكن الاعتماد الأكبر هو علي طلبات الجملة: -هناك مندوب يأتي ويشتري مني بالجملة ويذهب لتوزيع هذه الكتب في المصالح الحكومية وعلي الموظفين والموظفات بالأخص. هو يأخذ الكتاب مني بجنيه ونصف ويبيعه بجنيهين.- يضيف صاحب المكتبة أن تكلفة هذا الكتاب بالنسبة له هي حوالي مئة وثلاثون قرشا. ويذكر اسم مؤلفتين يتعامل معهما لكتابة هذا النوع من الكتب، هما غادة محمد سعيد ونجوي إبراهيم: -وصفات الكتب تكون عن تجارب بالطبع. وتعاملنا المادي مع المؤلف يكون علي حسب رواج الكتاب. لو أتتني مؤلفة بكتابها الأول الذي لم يجرب حظه في السوق بعد فلن يكون المقابل كبيرا، سيكون مئة أو مئة وخمسين جنيها.- بالإضافة إلي هذا، تبيع المكتبة أيضا كتب تفسير الأحلام، ففي المكتبة مختصر لكتاب تفسير الأحلام لابن سيرين يبيعه بجنيهين. أسأله عن كتب السحر فيجيب بثقة: -الموجود عندنا هو كتب التداوي بالقرآن فقط. وجمهورها في الغالب هم المرضي النفسيون.- كانت المكتبة توزع كتبها منذ سنوات في الأوتوبيس، وتعد هذه عملية بالنسبة لها مربحة، ولكن الأمور تغيرت بعد ذلك: -ما كنا نوزعه في الأوتوبيس هو الكتب الصغيرة التي تباع بنصف جنيه. وهذه يكون قطعها صغيرا جدا ومرهقا عند الطباعة، ولذا فقد كانت المطابع تشكو منه. ومع غلاء أسعار الورق وصلت تكلفة الكتاب إلي خمسة وثلاثين قرشا، بينما الموزع يريد شراءه بثلاثين قرشا كما كان في الماضي حتي يبيعه بنصف جنيه. لذا لم تعد العملية مربحة.- والكتب التي كانت تباع في الأوتوبيس هي الكتب الإسلامية بالتحديد، أسأله عن الكتب الأخري ولماذا لا تباع هناك فيقول لي: -لأن قطعها أكبر، وبالتالي يكون وزنها أكثر ثقلا، مما يشكل عبئا إضافيا علي الشخص الذي يحملها في شنطة ليوزعها.-

Saturday, April 5, 2008

المسيري.. الرئيس المحتمل

محمد أبو النور- ولاد البلد- عشرينات- 27/3/2008


الدكتور عبد الوهاب المسيري.. أهم نشطاء حركة التحرر الوطنية "كفاية".. أشيع مؤخرا نيته ترشيح نفسه لمنصب رئيس الجمهورية، رغم أن الحركة لن تشارك في انتخابات المحليات!التقينا به، لنعرف حقيقة ذلك، كما حدثناه عن النظام المصري والقمة العربية وإسرائيل والانتخابات الأمريكية..سمعنا أنك تنوي ترشيح نفسك لمنصب رئيس الجمهورية؟كثيرون من أصدقائي يلحون وأنا أفكر.فرضا فرضا.. أنك صرت رئيسا للجمهورية هتعمل إيه؟فرضا فرضا.. فإن برنامجي يتلخص في 10 نقاط هي الفصل بين السلطات، سيادة القانون، إلغاء قانون الطوارئ وكل القوانين السالبة للحريات، حرية تشكيل الأحزاب، إطلاق حرية النقابات المهنية والعمالية والنوادي الرياضية، إطلاق حرية الحركة الطلابية، إطلاق حرية التظاهر والإضراب السلمي، تقديم كشوف ذمة مالية لكل موظفي الدولة بما فيهم رئيس الجمهورية، أن يكون الإسلام إطارا حضاريا للمسلمين والمسيحيين، معالجة الفجوة الهائلة بين قلة من الأغنياء وأغلبية من الفقراء.وإذ لم تكن أنت.. من على الساحة ترى أنه الرئيس القادم؟أعتقد أن عمر سليمان رئيس المخابرات العامة هو الرئيس القادم؛ لأن لوبي المصالح قوي جدا وسيحاصره، وكثير من النخب الحاكمة والحزب الوطني يدركون شدة المعارضة لجمال مبارك ويخافون لو حدث هذا سيؤدى بهم جميعا.برأيك.. ما هي السيناريوهات التي يعدها الحزب الوطني لإسناد الرئاسة لجمال مبارك؟أنا لا أعتقد بأن هذا الكابوس سيتحقق، لأن الجميع يعارض تولي مثل هذا الشاب، على اعتبار أن مصر لن تتحول من جمهورية إلى ملكية وراثية، وعلى اعتبار أيضا أن جمال مبارك لا يمتلك الخبرة السياسية التي تؤهله لمثل هذا المكان، وأقول دائما أنه كمواطن مصري من حقه أن يرشح نفسه، ولكن ليس في الدورة القادمة، فلابد أن تفصله عن والده دورتين أو دورة على الأقل.باعتبارك رئيسا لحركة كفاية.. لماذا لم تشاركوا في انتخابات المحليات؟نحن قاطعنا الانتخابات ونعتقد أن هذا القرار سليم؛ لأن الحكومة نكلت بالإخوان واعتقلت المئات منهم فقط لأنهم فكروا في خوض التجربة الديمقراطية، فالحكومة غير قادرة على مواجهة الشعب وهذا يعد ضعفا على كل حال.النظام المصري أسد على حركات المعارضة الداخلية، نعامة أمام القوى الخارجية.. ما التفسير؟النظام مهزوم وغير قادر على اكتشاف قوة الشعب، ولننظر إلى شافيز عندما شعر بقوة الشعب واجه الولايات المتحدة بالرغم من أن فنزويلا على بعد عدة أميال من أمريكا، وبالرغم من أنها دولة صغيرة نسبيا بالقياس إلى مصر.كيف ترى مستقبل العلاقات المصرية – الإسرائيلية في ظل الوضع الراهن؟هناك علاقات مع النخب الحاكمة، أما الشعب فلا يزال يرفض إسرائيل ويرفض التصالح أو التعامل معها وهذا ليس عنادا، ولكننا شعب يرفض الظلم، والإسلام علمنا أن إقامة العدل في الأرض هي القيمة الأساسية لبقاء الإنسان، ونحن نرى أننا لابد أن نرد النخب الحاكمة عن ظلمها بناء على الحديث الشريف (انصر أخاك ظالما أو مظلوما).هل ترى أن الشعوب العربية سوف تفقد هذه القيمة الإنسانية بعد قمة دمشق المقبلة؟بالطبع لا، فقمة دمشق سوف تأتى وتزول، فليس لها أي معنى شأنها شأن القمم العربية السابقة.معنى كلامك أنك تتنبأ بفشل قمة دمشق؟!أنا لا أتنبأ بفشلها، لأن الجميع يرى ذلك، فالأمر لا يحتاج لعبقرية، وهذا هو مصيرها المحتوم.كيف ترى قطع العلاقات بين إسرائيل وقناة الجزيرة؟المسألة مفهومة لأن الجزيرة أحدثت طفرة على مستوى الوعي العربي، والدليل على ذلك أن الجزيرة انترناشيونال ممنوعة من دخول أمريكا، ولا توجد شركة أمريكية واحدة تستطيع أن تعطي للجزيرة حق البث على شاشات الولايات المتحدة.ولكن هناك آراء تقول أن ثمة اتفاق بين الولايات المتحدة والجزيرة لتسييس اتجاهاتها بما يخدم المصالح الأمريكية في المنطقة؟في الحقيقة لا أرى ذلك، فمن أراد أن يتقول فليتقول، وفى الواقع أن الجزيرة أنقذت الوعي العربي، فبدونها كانت القنوات الأخرى ستضلل هذا الوعي ومن هنا أصبحت تلك القنوات مجبرة بأن تسير على نفس المسار.نشرت "الواشنطن بوست" صورا لبن لادن وهو يهدد بشن ضربة ضد أمريكا قبل الانتخابات .. فما تعليقك؟القبض على بن لادن مسألة عسيرة جدا، وليس من المرجح أن يقوم بن لادن بمثل هذه العملية على الأقل في الوقت الراهن.فيما يتصل بمسألة الانتخابات الأمريكية.. هل ترى أن الأعراق ستلعب دورا مهما في توجيه دفة الأحداث؟يبدو أن الأساس في الموقف هو الحرب في العراق، وإن كان هناك ما يسمى بـ "البورت ماشين" أو آلة الحزب، وهى بإمكانها أن تجعل هيلاري هي الرابحة حتى لو قالت أنها ستنسحب من العراق فهذا لن يتحقق، لأن المؤسسة العسكرية تمتلك من القوة ما يجعلها تفرض توجهاتها على الرئيس الجديد ولا يجب أن ننسى أن الولايات المتحدة دولة تحكمها المؤسسات.وما رأيك في أوباما كمرشح من أصول إسلامية؟في الواقع هو أمريكي له أجندة طموحة ويتصور أنه يمكنه أن يغير، وإن كانت الآراء تقول بأنه لا يمكنه التغيير بسبب لوبي المصالح الرأسمالية وبسبب قوة الأحزاب.متى سيزول كابوس إسرائيل؟صعب التنبؤ بهذا الأمر، ولكنها ستنتهي في يوم من الأيام، وأنا أراهن على هذا....


قصيدة اغضب ...... للشاعر فاروق جويدة



نشترتها جريدة الدستور يوم الأربعاء 2 أغسطس 2006 عقب حرب تموز على جنوب لبنان


اغضب

فإن الله لم يخلق شعوباً تستكين

اغضب

ستلقىَ الأرض بركاناً ويغدو صوتك الدامي نشيد المُتعبين

اغضب

فالأرض تحزن حين ترتجف النسورويحتويها الخوف والحزن الدفين

الأرض تحزن حين يسترخى الرجال

مع النهاية .. عاجزين


اغضب

فإن العار يسكـُنـُن

اويسرق من عيون الناس .. لون الفرح

يقتـُل في جوانحنا الحنين

ارفض زمان العهر

والمجد المدنس تحت أقدام الطغاة المعتدين

اغضب

فإنك إن ركعت اليومسوف تظل تركع بعد آلاف السنين

اغضب

فإن الناس حولك نائمون

وكاذبون

وعاهرون

ومنتشون بسكرة العجز المهين

اغضب

إذا صليت .. أو عانقت كعبتك الشريفة .. مثل كُل المؤمنين

اغضبإذا لملمت وجهك بين أشلاء الشظاياوانتزعت الحلم كي يبقى على وجه الرجال الصامدين

اغضب

إذا ارتعدت عيونك

والدماء السود تجرى في مآقي الجائعين

إذا لاحت أمامك أمة مقهورة خرجت من التاريخ

باعت كل شئٍ

كل أرضٍ

كل عِرضٍ

كل دين

ولا تترُك رُفاتك جيفةً سوداء كفنها عويل مُودعِـين

اجعل من الجسد النحيل قذيفة ترتج أركان الضلال

ويُـشرق الحق المبين

ولا تترُك رُفاتك جيفةً سوداء كفنها عويل مُودعِـين

اجعل من الجسد النحيل قذيفة ترتج أركان الضلال

ويُـشرق الحق المبين

ابصق على وجه الرجال فقد تراخى عزمُهم

واستبدلوا عز الشعوب بوصمة العجز الذليل

كيف استباح الشرُ أرضك ؟

واستباح العُهر عرضك ؟

واستباح الذئبُ قبرك ؟

واستباحك فى الورى ظلمُ الطـُغاةِ الطامعين ؟؟؟

اغضب

فإن مدائن الموتى تـَضجُّ الآن بالأحياء ..

ماتواعندما سقطت خيول الحـُـلم وانسحقت أمام المعتدين

إذا لاحت أمامك صورة الأطفال في بغداد

ماتوا جائعين

فالأرض لا تنسى صهيل خيولها

حتى ولو غابت سنين

الأرض تـُـنكر كـُـلَّ فرع عاجز

تـُـلقيهِ في صمت تـُـكـفـِّـنـُـه الرياح بلا دموعٍ أو أنين

الأرض تكره كل قلبٍ جاحدٍوتحب عـُـشاق الحياةوكل عزمٍ لا يلين

فالأرض تركع تحت أقدام الشهيد وتنحنى

وتـُـقبِّـل الدم الجسور وقد تساقط كالندى

وتسابق الضوءان

ضوء القبر .. في ضوء الجبين

وغداً يكون لنا الخلاص

يكون نصر الله بـُشرى المؤمنين

اغضب

فإن جحافل الشر القديم تـُـطل من خلف السنين

اغضب

ولا تسمع سماسرة الشعوب وباعة الأوهام .. والمتآمركين

اغضب

فإن بداية الأشياء .. أولها الغضب

ونهاية الأشياء .. آخرها الغضب

والأرض أولى بالغضب

سافرت في كل العصوروما رأيت .. سوى العجب

شاهدت أقدار الشعوب سيوف عارٍ من خشب

ورأيت حربا بالكلام .. وبالأغاني .. والخـُطب

رأيت من سرق الشعوب .. ومن تواطأ .. من نهب

ورأيت من باع الضمير .. ومن تآمر .. أو هرب

ورأيت كـُهانا بنوا أمجادهم بين العمالة والكذب

ورأيت من جعلوا الخيانة قـُدس أقداسِ العرب

ورأيت تيجان الصفيح تفوق تيجان الذهب

ورأيت نور محمد يخبو أمام أبى لهب

فاغضب فإن الأرض يـُحييها الغضب

اغضب

ولا تُسمع أحد

قالوا بأن الأرض شاخت .. أجدبت

منذ استراح العجز في أحشائها .. نامت ولم تُنجب ولد

قالوا بأن الله خاصمها

وأن رجالها خانوا الأمانة

واستباحوا كل عهد

الأرض تحمل .. فاتركوها الآن غاضبة

ففي أحشائها .. سُخط تجاوز كل حد

تـُخفى آساها عن عيون الناس تـُنكر عجزها

لا تأمنن لسخط بركان خمد

لو أجهضوها ألف عامٍ

سوف يولد من ثراها كل يومٍ ألف غد

اغضب

ولا تُسمع أحد

أ سمع أنين الأرض حين تضم في أحشائها عطر الجسد

أ سمع ضميرك حين يطويك الظلام .. وكل شئ في الجوانح قد همد

والنائمون على العروش فحيح طاغوت تجبّر .. واستبد

لم يبق غير الموت

إما أن تموت فداء أرضك

أو تـُباع لأي وغد

مت في ثراها

إن للأوطان سراً ليس يعرفه أحد

اغضب

إذا شاهدت كـُهَّان العروبة كل محتال تـَخـفـَّى في نفق

ورأيت عاصمة الرشيد رماد ماضٍ يحترق

وتزاحم الكـُهَّان فى الشاشات تجمعهم سيوف من ورق

اغضب

كـَـكـُـلِّ السَّاخطين

اغضب

فإن الله لا يرضى الهوان لأمةٍ

كانت - وربُ الناسِ- خير العالمين

فالله لم يخلق شعوباً تستكين

اغضب

إذا لاحت أمامك

صورة الكهان يبتسمون

والدنيا خرابٌ والمدى وطنٌ حزين

ابصـُق على الشاشات

إن لاحت أمامك صورة المُتـنطعين

اغضب فإن الأرض تـُحنى رأسها للغاضبين

Friday, April 4, 2008

كارافاجيو «قارئة الأخبار الجميلة»

كارافاجيو: «قارئة الأخبار الجميلة» نحو 1598م (131 × 99 سم) نسخة متحف اللوفر في باريس


كارافاجيو «قارئة الأخبار الجميلة»؟


عبّود عطيّة
مجلة العربى --فبراير 2008


ما بين عصر النهضة الأوربية ومنتصف القرن التاسع عشر، كان من الشائع أن يرسم كبار الفنانين أكثر من نسخة للوحة لقيت نجاحًا وتقديرًا يستدعي ذلك. وكثيرًا ما تثار شكوك حول أصليّة النسخ الأخرى إذا ما كانت بريشة الفنان نفسه أو أحد تلامذته، الأمر الذي يفقدها بعض أهميَّتها كمادة للدراسة ومراقبة «التحسين» كما فهمه هذا الفنان.
من اللوحات المنسوخة التي لا غبار على أنها كلها بريشة الأستاذ نفسه، نختار هنا نسختين من قارئة الأخبار الجميلة للفنان الإيطالي مايكل أنجلو ميريزي المعروف باسم كارافاجيو (1531-1610م). أدخل كارافاجيو على فن الرسم تطويرين أساسيَّين، كان يكفيه واحد منهما ليدخل التاريخ بصفته أحد عباقرة هذا الفن. فهو أولاً مؤسس المذهب الباروكي في الرسم القائم على حركة وخطوط تتميز بانحناءاتها والانحناءات المضادة وفق تركيب يتجمعَّ حول ضلع المستطيل، معتمداً في ذلك على لعبة الضوء والظل. فسبق بذلك الفلامنكي بيتر بول روبنز والفرنسي جورج دي لا تور. أما التطوير الثاني البارز، فهو اقترابه المثير للدهشة في ذلك العصر، من الواقع والحياة اليوميَّة التي استمد منها نماذج شخصيّات لوحاته حتى الدينيَّة منها.
يروي المؤرِّخ جيليو مانسيني أنه «عندما كانت توضع التماثيل الإغريقيَّة التي نحتها فيدياس وغليكون أمام كارافاجيو لدراستها، لم يكن يرد على ذلك إلا بإشارة من يده إلى الناس من حوله، ليقول إنَّ الطبيعة أعطته ما يكفي من النماذج لدراستها. ولتعزيز صوابيّة رأيه، استدعى غجريَّة من الشارع وقادها إلى إحدى الحانات ليرسمها في (قارئة الأخبار الجميلة)».
«قارئة الأخبار الجميلة» هي الترجمة شبه الحرفيَّة لاسم اللوحة، والمقصود بها بكل بساطة البصََّّارة أو قارئة الكف. وكانت قراءة الكف من الخزعبلات الرائجة آنذاك في شوارع إيطاليا، يلجأ إليها الغجر للحصول على بعض المال، أو حتى لسرقة ضحاياهم السذَّج. أنجز كارافاجيو لوحته هذه سنة 1595م. وسنسمِّيها اصطلاحاً هنّا النسخة الأولى، وهي اللوحة المحفوظة اليوم في متحف الكابيتولين في روما.
نرى في هذه اللوحة غجريَّة تمسك بيد شاب نبيل تستطلع خطوط كفِّه. أمّا الشاب الذي أسند كفه الأخرى إلى مقبض سيفه، فيتطلَّع إلى وجه الغجريَّة مصغياً إلى ما تقوله له حول مستقبله، بينما تراقب هي قسمات وجهه وتداعب بأصابعها الخاتم الذي في يده استعدادًا لسرقته.
وما بين الموضوع الجديد المستمد من حياة الشارع، وجمال الأسلوب والألوان، لقيت هذه اللوحة تقديرًا كبيرًا جعلها تستقرُّ لاحقاً في حوزة الكاردينال ديل مونتي، الذي كان حاميًا ومضيفًا لكارفاجيو بعض الوقت.
وبسبب النجاح والتقدير اللذين لقيته هذه اللوحة، انصرف الفنان إلى نسخها (على الأرجح خلال إقامته عند الكاردينال ديل مونتي)، فظهرت نسخة أخرى نسمِّيها اصطلاحًا هنّا النسخة الثانية، وهي محفوظة اليوم في متحف اللوفر في باريس. إذ بعدما اشترت عائلة أليساندرو فيتريشي هذه النسخة الثانية، عادت وباعتها إلى أمراء عائلة دوريا بامفيلي الذين أهدوها إلى ملك فرنسا لويس الرابع سنة 1655م، حيث استقرَّت في المجموعة الوطنيَّة الفرنسيَّة. ويمكن للقارئ أن يجول بنظره على هاتين اللوحتين ويقارن بينهما ، ليندمج بخياله مع ذوق الفنان وما يراه هذا الفنَّان «تحسينًا، من دون أن يعني ذلك بالضرورة أن إحداهما أفضل من الأخرى.
فنسخة متحف اللوفر أصغر بشكل ملحوظ من نسخة الكابيتولين. وحتى وجه الشاب فيها يبدو أصغر سنًا بنحو سنتين من اللوحة الأولى. ومن المرجَّح أن ذلك جاء تعزيزاً للسذاجة التي يجب أن تميز ضحيّة الغجريَّة اللصَّة المخادعة. والابتسامة على وجه الغجريَّة أصبحت في النسخة الثانية مائلة أكثر إلى الترقُّب والحذر والتأمل بعمق استعداداً لسرقة الخاتم.
إلى ذلك يمكننا أن نلاحظ بعض المتغيِّرات الجماليَّة مثل اختفاء الساتان الذي يبطِّن سترة الشاب، لتحلَّ محلَّه مساحة ً سوداء تعزِّز لعبة الضوء والظلّ. الأمر نفسه ينطبق على الريشة البيضاء في القبَّعة التي انتصبت لتزيد من حدة هذه اللعبة اللونيَّة. فضلاً عن لعبة الضوء وعلى الجدارالذي اتخذ شكل خطوطٍ متوازيةٍ مع الخط الأحمر في ثوب الغجريَّة ومع قطر المستطيل، تعزيزًا للباروك الذي بدأ يتبلور أكثر فأكثر في مزاج هذا الفنَّان وفي لوحاته. باختصار، إنها لعبة جميلة أن يقارن المشاهد كل تفصيلٍ في اللوحة الأولى، ويرى كيف تغيَّر في اللوحة الثانية، ويحاول أن يتكهَّن بما خطر على بال الفنان عندما قرَّر هذا التغيير.عندما اشترى أليساندرو فيتريشي النسخة الثانية، فسَّر تعلقه بها بالقول إنها أوضح مثال لمبدأ «الوفاء للحقيقة» الذي كان يبشِّر به كارافاجيو.
وكون هذه الحقيقة مستمدَّة من حياة الناس في الشوارع وليس من عالم الأساطير والآداب تفسِّره سيرة كارفاجيو الشخصيَّة المحزنة.
فباستثناء إقامته فترة محدودة في حماية الكاردينال ديل مونتي أمضى هذا الفنَّان شطرًا كبيرًا من حياته فارّا من وجه العدالة، ومصاحبًا حثالة القوم. إذ اتُّهم بالتسبب بشجارات عدة، ومن ثمَّ بالقتل. فهرب من روما إلى نابولي سنة 1606م، ومن نابولي في العام التالي إلى مالطا، حيث انضمَّ إلى منظمة فرسان مالطا، ولكنه تشاجر وجرح أحد فرسان المنظَّمة فسجن ثم طرد. فعاد إلى نابولي حيث خاض مبارزة وحشيَّة اعتقد الناس بعدها أنه ميت. ولكنه نجا وسافر إلى بورت داركول، حيث أخطأت شرطة المرفأ واعتقدته مجرمًا آخر، فاعتقلته وسجنته. وعندما أطلقت سراحه بعد بضعة أيَّام، كانت السفينة التي أقلَّته قد غادرت المرفأ، فاعتقد أنها أخذت معها أمتعته، وأصابته موجة غضب عارمة أعقبتها حمَّى الملاريا، فمات بعد بضعة أيَّام على رصيف المرفأ. وبعد وفاته تبيَّن أن أمتعة الرجل كانت محفوظة في مبنى الجمارك

كارافاجيو: «قارئة الأخبار الجميلة»، 1595م (150 × 115 سم) نسخة متحف الكابيتولين في روما.

غزو العراق لم يكن وسيلة لنشر الديمقراطية


بعد 5سنوات علي احتلال العراق: هل أصبح الشرق الأوسط أكثرديمقراطية؟


غزو العراق لم يكن وسيلة لنشر الديمقراطية

باتريك كوكبورن ترجمة :عزة هاشم


مجلة أخبار الأدب -الأحد30/3/2008



عندما غزت الولايات المتحدة العراق وأسقطت صدام حسين عام 2003 فقد الشرق الأوسط بأكمله استقراره، وفرضت القوات الامريكية سيطرتها علي دولة عربية غنية بالبترول وآهله بالسكان. هددت واشنطن بعدها بالاطاحة بحكومات ايران وسوريا، وشكلت ببغداد أول حكومة شيعية في العالم العربي منذ 200 عام، فضجت المنطقة بأكملها بموجة عارمة من العداء لأمريكا.كان يجب أن يؤدي رد فعل الغزو في الشرق الاوسط الأوسع إلي تركيز أكبر علي ما يفكر فيه المصريون، والفلسطينيون، والسوريون، واللبنانيون، والايرانيون، لقد ضعفت مصداقية الانظمة الديكتاتورية الراسخة منذ أمد بعيد، فزاد من ذلك الضعف عدم ارساء ذلك النموذج المشرق للديموقراطية في بغداد، وعجز تلك الانظمة عن التعامل مع الازمة، لدرجة أن قامت مظاهرة في القاهرة عام 2006 يرفع أفرادها شعار:إلي ملوك وامراء وسفراء العرب.. اننا نبصق في وجوهكم'.. وبالرغم من أن الشرق الاوسط كان يترنح من تأثير صدمة الحرب علي العراق، الا أن معظم الدول أولته اهتماما ضئيلا مقارنة بالاهتمام الكبير الذي أدلته له وسائل الاعلام الاخبارية والحكومات الغربية، والتي كان تركيزها بأكمله تقريبا موجها نحو العراق، وكرست المؤسسات الصحفية والتليفزيونية ميزانياتها لدعم مكاتبها في بغداد. وبالرغم من أن هناك أحداثا استثنائية تم تغطيتها مثل فوز حماس علي فتح في الانتخابات الفلسطينية عام 2006م الا أن التفاقم المستمر للوضع الامريكي في العراق ألقي بظلاله عليه، واختفت بشكل كبير دول مثل مصر والمغرب من الخريطة الاعلامية.
***تلك واحدة من القيم الرئيسية لكتاب 'أحلام وظلال' وهو كتاب سلس وذكي تتناول من خلاله الكاتبة روبن رايت مستقبل الشرق الاوسط.. ولا يقتصر اهتمام رايت علي الحرب علي العراق وتداعياتها فحسب، وانما تتعرض فيه أيضا لنضال الافراد من المغرب الي ايران بهدف اصلاح أو استبدال الانظمة القائمة. اعتمدت رايت في كتابها علي ثلاثة عقود من الخبرة قضتها في تغطية المنطقة من خلال عملها في صحيفة واشنطن بوست وصحف أخري.نصف رايت كيف وقفت أمام أنقاض السفارة الامريكية في بيروت عام 1983 بعد مقتل أكثر من 60 أمريكي اثر هجوم انتحاري، وكان يبدو وقتها أن الاتجاه الاسلامي المتطرف هو الذي سيكون له الغلبة وسوف يشكل مستقبل المنطقة، ولكنها بدت شديدة التفاؤل عندما كتبت تقول: 'لن تدم للارهابيين تلك الاهمية والغلبة، والقوة الفاعلة مع الاجيال القادمة في الشرق الاوسط'. سيكون من المفيد لو كان ذلك صحيحا، ولكن رايت نفسها عندما تتناول المصلحين الذين يعارضون الاوضاع القائمة ويناضلون من أجل الحقوق الانسانية والمدنية تظهرهم بوصفهم لا يمارسون سوي تأثير ضئيل. تدعي رايت أن هناك 'ثقافة وليدة للتغيير' تتمثل في القضاة المناضلون في القاهرة، ورجال الدين المتمردون في طهران، ومحطات التليفزيون الفضائية الخاصة في دبي، والمساواة الرائعة، بين الرجل والمرأة في المغرب، وترشيحات المرأة في الانتخابات في الكويت، والوسائل العلمية الدقيقة في جدة، والصحافة الجريئة في بيروت وكازابلانكا، وسيدات الاعمال والكتاب المناضلون في دمشق'.
***ومن المؤسف ان حراستها تتعارض بشكل كبير مع ذلك الفرض، فمن بين العديد من المعارضين للوضع الراهن لم تكتب سوي عن بعض الحركات الدينية التي حققت قدرا من النجاح مثل: حماس في غزة والضفة الغربية، وحزب الله في لبنان. انها لم تغط باكستان، ولكن حادث اغتيال بي نظير بوتو في ديسمبر يظهر أن التفجيرات الانتحارية ستظل بمثابة مهارتهم المهلكة في تغيير دفة الاحداث.ولكن لماذا فشل المصلحون المعتدلون علي هذا النحو في مهمتهم في الشرق الاوسط؟ ليس بسبب نقص الشجاعة. تصف رايت كيف قضت رياض الترك في سوريا 18 عاما في سجن انفرادي أسفل الارض بطول جسده، وذلك عندما ألقي عملية القبض لأول مرة بسبب معارضته للحكومة العسكرية. استطاع رياض الترك أن يحتفظ بسلامة عقله عن طريق تشكيل رسوم علي الارض مستخدما الآلاف من الحبوب الصلبة وغير الصالحة للأكل. والتي كان يخرجها من الحساء الذي يقدم له طوال سنوات سجنه. ولم تكتف رايت بالابطال وانما تناولت البطلات أيضا مثل نهي الزيني التي لعبت دورا أقل ولكنه مؤثر ومميز، وهي مستشارة في وزارة العدل المصرية أثار حتفها التلاعب الصارخ في نتائج الانتخابات التي تشرف عليها، فنشرت ذلك علانية في واحدة من الصحف القليلة في القاهرة التي كان لديها الجرأة علي نشر شهادتها.
***وبالرغم من أن الأنظمة الديكتاتورية في الشرق الاوسط قد تكون مستبدة وفاسدة وممقوته من شعوبها، الا أنه يصعب اسقاطها، فالحكومات في مصر وسوريا وليبيا امسكت بزمام السلطة عن طريق الانقلابات العسكرية التي حدثت في الماضي، وبالتالي تعلمت كيف تقي نفسها حتي من قواتها الامنية والمسلحة.وفي كل دولة من تلك الدول كونت أسر الرؤساء مبارك، والاسد والقذافي سلالة حاكمة جديدة.ولقد نشر أسامة حرب ­ رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية المعتدلة ­ أن جهود الاصلاح المزعوم ليست الا خدعة، ولكنه وجد انه لا يستطيع أن ينسحب من موقعه في لجنة السياسات بالحزب الوطني دون أن يعرض نفسه للخطر، وهو يعلق قائلا: 'ربما يكون من السهل عليك أن تعود نفسك علي أن تقول لا، ولكن ليس هنا.. تلك هي مصر'.هناك نظام استبدادي واحد قديم وراسخ في العالم العربي طرده المرشحون في انتخابات مراقبة ومحكمة. حدث ذلك في 25 يناير عام 2006 عندما فازت حماس علي فتح، وهي حركة قومية فاسدة ينتمي اليها ياسر عرفات. وتقول رايت ان تلك هي المرة الاولي التي يخرج فيها جمهور الناخبين العرب قائد ديكتاتوري من خلال انتخابات حرة وموضوعية، وكان لتلك النتيجة صداها في المنطقة بأكملها، تمثلت الاستجابة المباشرة للمجتمع الدولي في مقاطعة حماس. يتحدث قائد حماس أسامة حمدان الي رايت قائلا: 'بدت الولايات المتحدة كالأمير الذي يبحث عن السندريلا' ويستطرد: 'الامريكيون يملكون الحذاء، ويبحثون عن الافراد الذين يناسبهم مقاس الحذاء. اذا كان هؤلاء الافراد منتخبون بشكل حر وديموقراطي فلن يناسبهم مقاس الحذاء الامريكي، وبالتالي سترفضهم الولايات المتحدة من أجل الديموقراطية' شجعت أمريكا واسرائيل ودول العالم الغربي فتح علي تجاهل نتائج الانتخابات وحشد قوتها العسكرية، وأصبح الصدام المسلح شيء لا مفر منه، والذي كانت نتيجته فرض حماس لسلطتها علي غزة بقوة السلاح في يونيو .2007
***تعد رايت واحدة من أفضل وأقدم الصحفيين الامريكان في عملها علي تغطية الاحداث بمنطقة الشرق الاوسط، ولها شهرتها التي تؤيد ذلك فهي تعيد النظر بشكل غير تقليدي الي ما يحدث في المنطقة، وسيصبح كتابها مرجعا أساسيا لأي فرد يود أن يعرف إلي أين يتجه.ولقد اصابت في وصفها لطبيعة الانظمة التي تفرض قوتها الآن وهي تعلم انها ممقوتة للغاية لدرجة انها لا تسمح بأي تعبير حر عن الارادة الشعبية فيما عدا بعض الابتكارات مثل محطات التليفزيون الفضائية والانترنت والتي خرجت من قبضتهم علي ما يعلن عن معلومات ولقد اظهرت كلتا الانتخابات الجزائرية في عام 1992 والفلسطينية في عام 2006 أن الغرب لن يقبل فوز خصومه في الانتخابات، ولكن منذ غزو العراق أصبح من الصعب تخيل حدوث انتخابات موضوعية لها أي نتائج أخري.
قراءة في كتاب 'أحلام وظلال'مستقبل الشرق الاوسط لروبن رايت

موجة الغلاء تضرب الثقافة

موجة الغلاء تضرب الثقافة

: أجور الفنانين وأسعار الورق معرضة للارتفاع

اخبار الأدب ---الأحد 30/3/2008



لم يعد الغلاء مجرد كلمة تكررها صحف المعّارضة باستمرار للدلالة علي تدهور الأوضاع الاقتصادية، بل أصبح ظاهرة ملموسة ومؤثرة لا علي الطبقات الفقيرة فقط بل حتي علي الطبقة المتوسطة وما فوقها، فقد تضاعفت أسعار عدد من السلع الأساسية في أقل من أشهر معدودة وهو الأمر الذي أثر علي بقية السلع الأخري كلها تقريبا... وأمام هذا الارتفاع الجنوني وغير المتناسب مع دخل الفرد في مصر، يبدأ المصريون غير القادرين في التخلي عن السلع الثانوية ويقلل الفرد من احتياجاته تحت ضغط الظرف الاقتصادي.ولأن الحياة ليست قصيدة نثر والإنسان يحيي بالخبز لا بالكتاب فالثقافة هي أول ما يتأثر بتغيرات الأسعار والظرف الاقتصادي ويبدو هذا واضحا إذا نظرنا إلي وضع السينما المصرية أكثر الفنون تكلفة وتأثرا بظروف السوق، وقد انعكست موجة الغلاء في ارتفاع تذاكر السينما التي كانت منذ عام مضي تبلغ عشرة جنيهات في دور سينما وسط البلد البسيطة لترتفع إلي خمسة عشر جنيهات أما دور السينما الأفخم بعض الشيء فسعر التذكرة يصل الآن إلي 25 جنيه، بخلاف دور السينما الخاصة التي يصل سعر التذكرة الواحدة فيها إلي 75 جنيها مصريا.ارتفاع أسعار التذاكر أحد أسبابه الرئيسية ارتفاع خامات صناعة الفيلم السينمائي من معدات تصوير وشريط الخام وغيرها، وهو الأمر الذي يجعل المنتج متخوفا من المغامرة علي تقديم موضوعات سينمائية جديدة أو ابتكارية تختلف عن السائد، بالتالي تحول السوق السينمائي التجاري إلي مساحة من الأفلام المتشابهة المستنسخة من بعضها البعض، تعتمد علي نفس التيمات الدرامية وأحيانا نفس الافيهات الكوميدية.أما الفنانون السينمائيون الشبان فقد بدأوا يشعرون بأنه لا يوجد مكان لهم في هذا السوق بالتالي بدأو يلجأون إلي التجارب المستقلة التي تعتمد علي التصوير بالكاميرا الديجتال أو حتي كاميرات الموبيل لخفض تكلفة صناعة الفيلم، لكن هذه التجارب السينمائية المجغّايرة تظل محصورة في أماكن العرض النخبوي والمراكز الثقافية الأجنبية لأن دور العرض السينمائي بالتأكيد لا ترغب في المغامرة بعرض تجربة سينمائية مغايرة، وحتي بعدما تحمست إحدي شركات التوزيع السينمائي لعرض واحدة من تلك التجارب المستقلة فيلم عين شمس لإبراهيم البطوط واجه الفيلم مشاكل بيروقراطية مع الرقابة لم تحل حتي الآن. لكن مع ذلك لا تزال دور العرض السينمائي تشهد إقبالا جماهيريا ومثلما أوضحت مدام سهير العاملة في أحد شبابيك دور العرض في وسط البلد لا يوجد علاقة بين ارتفاع أسعار المواد الغذائية والإقبال علي السينما ففي كل ظروف ترغب الناس في الفرفشة علي حد تعبيرها بالإضافة إلي أن معظم رواد السينما من الشباب الذين يعتمدون علي أبائهم في الحصول علي النقود التي يدخلون بها السينما.
***أجور الفنانين شهدت ارتفاعا كبيرا في السنوات الأخيرة ويظهر ذلك بوضوح في المجال الموسيقي حيث يبلغ متوسط أجر عازف الكمان 500 جنيه في الصفحة الواحدة، بالتالي تبلغ تكلفة تسجيل مقطوعة موسيقية أو أغنية واحدة إلي ما يقارب 15 ألف جنيه، ويري الملحن الموسيقي تامر كراون أن هذه الموجة من ارتفاع الأسعار انعكست علي المستوي الفني للموسيقي المصرية حيث أصبح الكثير من الملحنين يعتمد علي الكمبيوتر والمزيكا المعلبة بدلا من كتابة النوتة الموسيقية والتسجيل في استديو كبير بالتالي تفتقد الموسيقي أحيانا للحس الانساني فصوت الكمنجات المستخرج من الكمبيوتر يختلف عن صوت الكمنجات الحقيقي.
***لا يؤثر ارتفاع الأسعار علي مستوي المنتج الفني أو الثقافي فقط بل أيضا علي إقبال الجمهور علي هذا المنتج وهو الأمر الذي قد يؤثر علي إقبال هذا الجمهور علي أنشطة المراكز الثقافية المستقلة، فمؤسسة المورد الثقافي علي سبيل المثال وضعتها موجة الغلاء الأخيرة في مأزق مادي حيث ارتفعت أجور الفنانين وأسعار طباعة الملصقات الدعائية، وهو الأمر الذي جعل بسمة الحسيني مديرة المورد تبحث عن فرص التمويل أو الدعم من المؤسسات الاقتصادية والشركات الكبيرة، فبسمة لا تريد أن ترفع من قيمة تذاكر عروض المورد وإن كانت تؤكد أن استمرار تلك الموجة من الغلاء سوف يجعلهم يضطرون في النهاية لرفع قيمة التذاكر. بالرغم من أن معظم حفلات المورد مجانية وفي حالة فرض تذاكر علي بعض الحفلات تكون غالبا بأسعار بسيطة لا تتعدي العشرة جنيهات.وعلي العكس من موقف بسمة الحسيني يري محمد الصاوي مدير ساقية الصاوي أن موجة الغلاء لم تؤثر علي أنشطة المراكز الثقافية الخاصة، فالساقية لم تلجأ إلا لرفع أسعارالمشروبات والمأكولات في الكافيتريا فقط لكنها لم ترفع أسعار تذاكرها حتي الآن ومازالت في معدلها الطبيعي ما بين عشرة إلي عشرين جنيها وهو رقم يراه الصاوي في مقدرة الفرد العادي وليس مبالغا فيه، خصوصا إذا نظرنا إلي ما ينفقه المصريون علي التليفونات أو السجائر.التأثير الأوضح لموجة الغلاء علي الثقافة يمكن لمسه في صناعة الكتاب، فمصر من الدول المستوردة لا المنتجة للورق وبالتالي يرتبط سعر الورق في مصر بالسوق العالمي كما يوضح سعيد عبده مدير التوزيع في مؤسسة أخبار اليوم أن ارتفاع تكاليف الطباعة لا يتوقف علي اسعار الورق فأسعار الأحبار والآلات والصيانة وأجور العمال كلها شهدت زيادات كبيرة في الشهور الأخيرة ومن المتوقع أن تستمر هذه الزيادة لفترة قادمة ومن الصعب السيطرة عليها لأنها ليست خاضعة لشروط السوق المحلي بل مرتبطة أكثر بالسوق العالمي. وتؤثر هذه الزيادة في النهاية علي سعر الكتاب وحينما يرتفع سعر الكتاب تصير دورته ابطأ في التوزيع وينصرف المستهلك لأنه لا يستطيع تحمل الزيادة المستمرة في سعر الكتاب وبدلا من بيع عشر نسخ في يوم تباع العشر نسخ في شهر، وبالتالي يقل عدد العناوين الجديدة وعدد الكتب المعروضة في السوق وهو ما يؤثر علي مستوي الكتاب المصري وقدرته علي المنافسة. ويضرب سعيد مثالا علي ذلك بكتاب تفسير الشعراوي الذي كانت تصدره أخبار اليوم علي أجزاء يبلغ سعر الواحد منها جنيها وحينما ارتفع سعر الكتاب ربع جنيه انخفض التوزيع 50 ألف نسخة حيث كان يطبع من كل جزء 300 ألف نسخة.يضيف أحمد الزيادي من دار الشروق سببا آخر لارتفاع أسعار الورق في مصر وهو تغير سعر اليورو في مقابل الجنيه المصري، فمعظم الورق يتم استيراده من أوروبا، ولأن التغيرات في سعر اليورو مقابل الجنيه المصري محسومة وبسيطة فتأثر صناعة الكتب يكون بسيطا، بالإضافة إلي أن دور النشر والمطابع الكبيرة كما في الشروق تشتري احتياجاتها من السوق الأوروبي مباشرة كل ثلاثة شهور، لذلك فلا يظهر تأثير ارتفاع الخامات علي منتجاتها من الكتب إلا بعد فترة، ويشير الزيادي إلي أن تحديد سعر الكتاب مرتبط أكثر بالسوق المحلي، فلا يمكن لأي دار نشر أن ترفع أسعار الكتب بشكل مبالغ فيه وإلا سينصرف المشتري عن الكتاب فالسوق في النهاية عرض وطلب. لكن عم حسين المسئول عن فرع مكتبة مدبولي بطلعت حرب يري أن الإقبال علي الكتاب قد قل الأسابيع الماضية حتي الأب حينما يدخل المكتبة مجبرا علي شراء كتاب دراسي لابنته يشتريه وهو متضرر ففي رأي عم حسين حينما يتجاوز سعر زجاجة الزيت العشرة جنيهات لا يصبح هناك مكان للكتاب في ميزانية أي أسرة، ويؤكد علي رأيه مشيرا إلي أن معظم زبائن المكتبة الذين تعتمد عليهم هم من العرب لا المصريين. ونفس الرأي اتفق معه وائل مصطفي أحد شباب البائعين في سور الأزبكية الذي تحدث في البداية عن عملية نقل البائعين التي تقوم بها المحافظة حاليا .وقال إن معظم البائعين الذين يعملون في الكتب الثقافية يعتمدون علي السائحين العرب والأجانب فاهتمام القارئ المصري بزيارة السور وشراء الكتب قد قل في الأسابيع الماضية وسوف يقل أكثر إذا استمرت زيادة أسعار المواد الغذائية فالناس يحتاجون للطعام أولا قبل أن يقرأوا، لكن عم عبد الله صاحب فرشة الكتب والجرائد في شارع 26 يوليو ينكر أي تأثير لارتفاع أسعار المواد الغذائية علي الإقبال علي شراء الكتب أو الجرائد فالأولي غذاء البدن والثانية غذاء الروح علي حد قوله، لذلك يجلس عم عبد الله في الظل مراقبا فرشته المعرضة للشمس واثقا من قدوم المشتري مهما ارتفعت الأسعار.

د. مصطفي الفقي في حوار جريء (٢ ـ ٢)؟


مصطفي الفقي في حوار جريء (٢ ـ ٢) كل إنجاز يتم يجري تفسيره علي ضوء التوريث..وهذا ما يجهض عملية الإصلاح

حوار رانيــا بــدوي ٢٩/٣/٢٠٠٨

بعد توليه عمله كسكرتير للمعلومات في مكتب الرئيس قال الدكتورمصطفي الفقي: إن الرئيس مبارك يراهن علي الديمقرطية ، وإن نفسه طويل، وصبره بلا حدود، فإلي أي مدي مازال الفقي مصرا علي ماقاله، وهل مازالت لديه القناعات نفسها؟.. هل الإصلاح السياسي والتعديل الدستوري كان امتثالا لضغوط خارجية؟
في هذه الحلقة من الحوار فتحنا ملف الديمقراطية مع الدكتور الفقي باعتباره أحد المفكرين الذين اقتربوا من قصر الرئاسة ومازال عضوا بارزا في الحزب الوطني وأمانة السياسات فتحدث بصراحة يشوبها بعض الدبلوماسية ودبلوماسية فيها كثير من الجرأة:


* هل مازلت مقتنعا بما قلته في حق الرئيس في عام ١٩٨٦؟
- الظروف أثبتت صحة ما قلته انظري إلي الصحف الحزبية والمستقلة لتدركي التحول الذي حدث في مساحة الحرية في مصر.
* قاطعته: ولتنظر أنت إلي حكم قضائي بحبس ٤ رؤساء تحرير صحف مؤخرا؟
- بغض النظر عن الأحداث الأخيرة، والتي كان سببها التجاوزات، وإن كنت أنا وبوضوح ضد حبس الصحفيين علي الإطلاق، وحبس أي شخص صاحب رأي.. ولكن يجب أن يتحري الصحفيون الدقة في المعلومات.. علي أية حال اتساع مساحة الحرية التي نعيشها الآن سبق بكثير الفترة الليبرالية من ١٩١٩ إلي عام ١٩٥٢ التي كنا نتباهي بها.، ونرجو أن تتوقف مثل هذه المنغصات عند حدود معينة ليظل هذا العصر ناصع البياض في التعامل مع الصحافة والصحفيين، وأعتقد أن الرئيس يؤكد دائما علي هذا المعني، وأن ما حدث هو عارض لا نرجو أن يتكرر وهو بمثابة لفت نظر.
* لفت نظر بحبس أربعة من أهم الصحفيين في مصر بأقصي العقوبتين السجن والغرامة؟!
- لا تعليق لي علي أحكام قضائية ولكني أتذكر أنه أثناء المناقشات الخاصة بقانون الصحافة في مجلس الشعب كان موضوع حبس الصحفيين مستبعدًا إلي حد كبير، ولا يأتي إلا في الضرورات القاسية جدا التي نتمني ألا تحدث.
* جريدة الشعب صدر لها ١٤ حكمًا قضائيا بالصدور ولم تصدر؟
- ليس لدي خلفية كاملة عن هذا الموضوع وأعتقد أن الأمر متعلق باتجاهات معينة للحزب.
* كنت أحد المسؤولين المقربين من دائرة الحوار والنقاش في مطبخ التعديلات الدستورية فهل أنت راض عنها؟
- كل ما أستطيع قوله أن هذه التعديلات لو كانت حدثت في أي دولة أخري غير مصر لكانت طبيعية إنما مشكلة من ينتقدونها ومعهم حق أن تلبيسها علي الحالة المصرية يدعو إلي سوء التأويل.. لدينا مشكلة حقيقية تتمثل في أن كل إنجاز تم في السبع سنوات الأخيرة يفسر علي ضوء ظاهرة التوريث التي يتحدث عنها الناس لذا جري إجهاض لعملية الاصلاح وكل إصلاح يتم لا يتم تفسيره تفسيرا وطنيا بل تفسير شخصي.. من هنا دخلت التعديلات الدستورية في هذا الاطار حيث يظن كثيرون أنه تم تعديل المادة ٧٦ لأننا نريد أن نمهد للتوريث.. وأن تعديل المادة ١٧٩ مقصود به ضرب الإخوان المسلمين وهكذا
* ومن فتح الباب إلي سوء التأويل؟!
- سوء التأويل هو طبيعة التراكم التاريخي للتجربة المصرية وهذا سوف يأخذ وقتا طويلا.. وأنا قد ترجمت بعض نصوص التعديل لشخصيات أجنبية كثيرة فلم يعترضوا عليها..فهذه التعديلات طبيعية جدا اذا حدثت في أندونسيا أو بلغاريا أو أي من الدول المتوسطة في تاريخ الديمقراطية.
* ما تقييمك للتعديلات الدستورية عموما.. وما المواد التي كنت مع تعديلها وما المواد التي لم تعدل؟
- أعتقد أنه كان هناك بعض المواد التي كان يمكن ان يتم تعديلها فنحن نثق في الرئيس مبارك وفي حكمه ولكننا لا نعرف القادم الجديد، لذلك كنت أتمني أن تتحدد مدة الرئاسة بتعديل المادة ٧٧ بمدتين أو ثلاث.. ثاني: أنا أعرف ظروف الإرهاب ومواجهته وأن الرئيس سيلجأ إلي المحاكم العسكرية في أضيق الحدود، ولكنني أشعر ببعض القلق في المستقبل من استخدام القضاء العسكري والإحالة اليه في بعض القضايا التي ليست بالضرورة عسكرية.
* هل أنت موافق علي تعديل باقي المواد بشكلها الحالي؟
- أعتقد أن مادة التعليم المجاني بشكلها الحالي مادة خادعة لأنه ليس صحيحًا أن التعليم في مصر مجاني والدليل مليارات الجنيهات التي تنفق سنويا علي الدروس الخصوصية، حتي إنه أصبحت هناك إعلانات في الشوارع علي الدروس الخصوصية علي الملأ ودون مواربة.. أيضا مادة العمال والفلاحين (٥٠ % في المجالس النيابية المنتخبة) أسيء استخدامها لأن الظروف تغيرت ولم يعد تعريف العامل والفلاح هو ذلك التي انطلقت منه فلسفة هذه الفكرة عندما تحددت في الستينات من القرن الماضي.. كنت أتمني أيضا الدخول اليها لأنني أرفض الازدواجية، وأن نقول مالا نفعله، فأنا أريد أكبر قدر ممكن من صدق الوطن مع ذاته هذه كانت بعض آمالي في التعديل الدستوري.
* وهل أعربت عن رأيك هذا بصراحة أثناء المناقشات؟
- نعم وكان هناك من يتفقون معي ومن يختلفون فمثلا الأستاذ حسين مجاور اعترض، وقال لي إن أي مساس بهذه المادة ربما يكون سببا في احتشاد مائة ألف عامل في ميدان التحرير.. لقد ناقشت بصراحة وأعربت عن رأيي بصراحة.. لكن القرار في النهاية للأغلبية.
* كيف توصل الرئيس من الأساس لقرار التعديل الدستوري.. وهل أشار به أحد عليه؟
- بدا هناك تحول في المناخ السياسي ليس فقط في مصر بل في العالم بشكل عام نتيجة التغير في الظروف الدولية خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.. والاتجاه إلي توسيع دائرة الإصلاح والحريات فرأي الرئيس بأن هناك مطالبة دائمة بأن يكون هناك أكثر من مرشح لمنصب رئيس الجمهورية، وأعتقد أنه قراره الشخصي ربما لأنه كان متأكدًا من أنه سيحظي بالأغلبية في مواجهة أي مرشح آخر نتيجة تاريخه السياسي وتاريخه في الحكم، وبالتالي أقدم علي تعديل المادة ٧٦ في خطابه الشهير في محافظة المنوفية في فبراير ٢٠٠٥.
* كيف تقيم الديمقراطية في الثلاثة عهود؟
- عبد الناصر كان يري أنه لا يجب أن يتحدث عن الديمقراطية وأن حماس الجماهير له كل يوم في الشوارع بمثابة استفتاء شعبي عليه لا يحتاج معه إلي ديمقراطية، أما الرئيس السادات فكان مؤمنًا بالديمقراطية ذات الأنياب وهو مصطلح جديد أي أن الديمقراطية تقف عند حد معين وهذه كانت طبيعة المرحلة والتحول من مجتمع مركزي مغلق إلي مجتمع منفتح.. وأنا أعتقد أن مساحة الحرية التي أعطاها الرئيس مبارك والتي لا أقول إنها مائة بالمائة والا أكون كاذبا، ولكنها نسبيا خطوة متقدمة جدا علي الطريق.
* كثيرًا ما لجأ الرئيس السادات إلي القرارات الاستثنائية وحقه في المادة ٧٤ التي أتاحت له اتخاذ كثير من القرارات الاسثنائية وهو ما ظهر جليا سواء في أحداث يناير أو أحداث سبتمبر، فمتي يلجأ الرئيس مبارك إلي القرارات الاستثنائية؟
- لا يقدم علي ذلك بسهولة فأنا أذكر أيام أحداث الأمن المركزي لم يقدم علي قرار حظر التجول إلا لحماية للمنشأت العامة ولفترة ليلة أو اثنتين.
* هل كان القرار قراره؟
- كان قرارًا لابد منه، واتفقت عليه جميع أطراف صناعة القرار السياسي آنذاك.. فهي مشكلة فئوية من بعض الجنود ظروفهم الحياتية صعبة، ليست مشكلة شعبية.. ولو كانت تركت ربما أصبحت مشكلة أكبر بعد أن تندس فيها قوي كثيرة، ولكل نظام من معه ومن عليه.
* إلي أي مدي الرئيس حر في اتخاذ قراره خاصة أنك قلت أن هناك قوي كثيرة لا تجعل قرار الرئيس حرًا مائة بالمائة؟
- كل رئيس حر في اتخاذ قراره.. ماعدا مراعاته للبعد الاجتماعي والظروف الاقتصادية واحترام الوحدة الوطنية وبالمناسبة هذا هو أكبر مكسب لمصر لأنه تم النص عليه في المادة الأولي سابقا علي مادة الشريعة الاسلامية وهذا إنجاز ضخم للدولة المدنية المصرية.
* لكن أقصد بسؤالي إلي أي مدي يتأثر الرئيس بالضغوط الخارجية في اتخاذ قراره؟
- مبارك بطبيعته شديد الحساسية للضغوط الخارجية ولا يقبلها.. أذكر أنني كنت سكرتيرا له وطلبت الولايات المتحدة الأمريكية انزال ٢٠٠ طائرة هليكوبتر في إحدي القواعد العسكرية علي البحر الأحمر استعدادا للعمليات العسكرية ضد العراق عام ١٩٩١ ولكن الرئيس رفض وكاد يضحي بالتحالف لأنه رأي أن سيادة مصر لا تمس.
* دخولنا في اتفاقية مثل «الكويز»، وتوتر العلاقة من قبل مع ايران، وموقفنا من حماس، هل له علاقة بارضاء أمريكا؟
- إيران بالذات علاقاتنا بها جيدة والرئيس حريص عليها.. فهو استقبل كل مسؤول ايراني جاء إلي مصر بل والأكثر أنه استقبل الرئيس خاتمي وهو بعيد عن السلطة، ودعاه إلي إفطار عمل معه وهذا خارج السياق البروتوكولي، لا يقدم عليه الرئيس إلا إذا كان يقدر وزن الدولة الأخري، وأعتقد أنه هو الذي يرفع صوته دائما بأن أي عمل عسكري ضد إيران سيؤدي إلي انفجار في المنطقة.. أما اتفاقية الكويز فلا أستطيع أن أدلي برأيي فيها لأنني غير متخصص في الاقتصاد ولا أعرف حجم الفائدة أو حتي الخسائر من ورائها.. عموما لا يجب أن نعطي الضغوط الخارجية حجمًا أكبر من حجمها فالرئيس في النهاية لا يرضخ لأي ضغوط.
* قلت إن الرئيس مبارك يعطي القرار السياسي أكبر قدر من الاستقلالية فاذا عرض عليه أكثر من بديل يختار فورا ما يعكس المصلحة الوطنية؟ فهل يمكن أن تحقق لي هذا الكلام بـأمثلة؟
- أذكر حادث السفينة أكيلي لوروا عام ١٩٨٥، وكان هناك رأي يقول بتسليم الفلسطينين المتهمين للولايات المتحدة الأمريكية، ولكنه بخيار وطني وقوي رفض ذلك.. وقرر أن يرسلهم إلي قيادتهم الطبيعية في تونس لمحاكمتهم فاعترضت الولايات المتحدة الأمريكية الطائرة وأجبرتها علي النزول في إيطاليا، وهو موقف يعكس وطنية مبارك وحسه القومي.
* في مؤتمر الحزب الوطني عام ٢٠٠٢ تقرر أن يكون رئيس الحزب بالانتخاب الحر المباشر وهو القرار الذي سبق تعديل المادة ٧٦ بأكثر من عام أي أنه يفترض أن يكون الحزب قد أفرز قيادات قادرة علي الدخول في المنافسة علي رئاسة الحزب.. فهل تم ذلك ومن هم هؤلاء القيادات؟
- مازالت الإصلاحات في الحزب الوطني فوقية ولم تصل بعد إلي القاعدة، تماما مثل الاقتصاد القومي فكل المؤشرات العالمية تؤكد أن المؤشرات الاقتصادية في مصر تتجه إلي التحسن في العامين الأخيرين ولكن هذا لم يصل لي قاع المجتمع ولم يشعر به الفقراء.. يجب إعادة النظر في هيكلة الحزب الوطني وإصلاحه حتي لا تظل فوقية.
* هل يعني ذلك أنه لا يوجد قيادات قوية داخل الحزب الوطني؟
- هناك قيادات كثيرة ومتعلمة وعندما أحضر اجتماع أمانة السياسات أري حولي معظم العقول المفكرة من المثقفين والعلماء وأساتذة الجامعات في مصر.
* لماذا لا نري دورًا بارزًا لهؤلاء الأعضاء ولماذا الأبرز بينهما علي الاطلاق هو جمال مبارك؟
- لا.. هذا كلام غير صحيح جمال عضو من أعضاء هيئة مكتب الحزب وليس هو الوحيد ولكن لأنه ابن الرئيس فهو لامع بالضرورة وهو أمر لا يمكن تحاشيه في ظل تركيبة الشخصية المصرية.
* هل تري أنه يوجد قيادات داخل الحزب الوطني قادرة علي خوض انتخابات رئاسية؟
- لايبدو لي ذلك متاحًا ولكن مصر ليست دولة عقيمة ولكن لديها كثير من الكفاءات التي يمكن أن تخوض هذه الانتخابات وليس بالضرورة من داخل الحزب الوطني.
* ولكنه حزب الأغلبية؟
- لكنه ليس الحزب الوحيد.
* نري أن الزعيم في مصر أقوي من الحزب في حين في الخارج نجد الحزب أقوي من الزعيم؟
- هذه قضيه موجودة في مصر فعلا، فالفرد أقوي من المؤسسة، بينما يفترض أن المؤسسة هي الباقية لكن الذي يحدث هنا هو العكس ليس فقط داخل الحزب الوطني إنما كل الأحزاب فحزب التجمع هو: خالد محيي الدين تاريخيا مع احترامي لرفعت السعيد، وحزب الأحرار هو، مصطفي كامل مراد، وحزب الوفد هو فؤاد سراج الدين، مع احترامي للدكتور محمود أباظة ومن سبقه.. نحن مازلنا نعيش في ظل الشخصيات التاريخية.
* وما السبب في هذا الخلل؟
- الخلل في أننا نعيش حالة حزبية ضعيفة.. لم يوجد لدينا حزب بالمعني المفهوم الا حزب الوفد من عام ١٩١٩ إلي عام ١٩٥٢ ليس لأنه كان حزبا تنظيميا بالمعني المفهوم ولكن لأنه كان يعبر عن الحركة الوطنية أي أن النظام الحزبي بتركيبته الحالية ضعيف تاريخيا.. فليس لدينا أحزاب برامج، ولكنها أحزاب أشخاص.
* هل تتفق مع القول الذي يقول بأن الأجهزة الأمنية تضيق علي الأحزاب وأنها السبب في ضعف الأحزاب؟
- كلام صحيح إلي حد كبير كما أن الحزب الوطني ضيق أيضا علي باقي الأحزاب.
* هنا يجب أن أطرح عليك وجهة النظر الأخري، ومن يقولون أن الأمن حجة البليد، والدليل تواجد الإخوان المسلمين في الشارع المصري رغم تضييق الأمن عليهم أيضا؟
- الإخوان يعملون بلا ضوابط ولا قوانين بعكس الأحزاب فهم أصحاب أكبر حرية حركة في الشارع المصري رغم كل القيود عليهم لأنهم لا يخضعون لضوابط ولا قواعد بحكم أنهم خارج إطار الشرعية. وان كنت ضد فكرهم مائة بالمائة فأنا مع حقهم في وجود منبر مدني يعبر عن وجهة نظرهم.
* وليكن الحزب؟
- نعم ولكن علي ألا يستند إلي مرجعية دينية ولا شعارات دينية.
* هل هناك استحالة لتطبيق النموذج التركي في مصر؟
- في الظروف الحالية نعم نتيجة تجذر الدين في الشارع المصري، واختلاط التدين بالإسلام السياسي خاصة إن كلمة العلمانية كلمة كريهة في المجتمع المصري، وكأنها تقف علي الطرف النقيض من التدين وهذا غيرصحيح بالمرة.. العلمانية ليست ضد الايمان، فقد يكون هناك مسلم متدين متعمق في إيمانه لكنه علماني في توجهاته السياسية هكذا كان محمد علي وعبد الناصر أي مؤسس الدولة الحديثة وأكبر زعيم في تاريخنا القومي كانا ذا توجهات علمانية.
* إلي أي مدي تري الخارجية المصرية ملامة أو بريئة من تراجع الدور المصري مؤخرا.. والفشل في كثير من الملفات؟
- لا أستطيع أن أقول إن وزارة الخارجية فشلت، فجهاز الدبلوماسية المصري عريق وجهاز وطني، وهو يفعل ما يوكل اليه فهو لا يصنع سياسة بل هو منفذ سياسة، وأعتقد أن الرئيس هو الواضع الأساسي للسياسة الخارجية لمصر؟
* وهل تري أنه هناك فروقًا فردية بين منفذ ومنفذ؟
- طبعا فالعامل الفردي يختلف، فخارجية عمرو موسي تختلف عن خارجية أحمد ماهر، التي تختلف عن خارجية أبو الغيط.
* أيهما أصلح؟
لا أستطيع المفاضلة فكلهم زملاء ،وكل له طريقته فخارجية عمرو موسي هي دبلوماسية الكبرياء الوطني، أحمد ماهر دبلوماسية الخبرة الهادئة، أبو الغيط الدبلوماسية العملية التي تقوم علي الأسس الموضوعية.
* هل دفعت ثمن كونك صوتًا متفردًا في مؤسسة من هذا النوع «مؤسسة الرئاسة»؟إ
- إلي حد ما النظام يحسبني علي المعارضة المعتدلة والمعارضة تحسبني علي غيلان العاملين في النظام وهو أمر يسعدني لأنه يعني أنني محسوب علي مصر قبل الجانبين.
* هل آن الأوان أن تصرح بالأسباب الحقيقية التي أخرجتك من منصبك كمدير لمكتب المعلومات؟
- لقد قلت الأسباب الحقيقية من قبل ومفادها أنني ارتكبت مخالفة أمنية نتيجة أن سيدة كانت تتصل بي تليفونيا تشكو لي أوضاعها مع صهرها وكانت هذه السيدة علي اتصال بمسؤولين آخرين في الدولة الأمر الذي اعتبر خرقا للقواعد الأمنية لمؤسسة الرئاسة.
* ما المخالفة الأمنية التي يجب علي شخص تجنبها إذا كان يعمل في مؤسسة من هذا النوع؟
- أنا بطبيعتي يسمونني المتحدث وأنا أعمل في وظيفة لها قيود أمنية وأنا شخص لي اهتماماتي الأدبية والفكرية والأكاديمية ولي ندواتي ومؤتمراتي، ولي دور في الحياة العامة وهي أشياء تتعارض مع نوع الوظيفة التي أشغلها.
* وكيف تصف علاقتك الآن بالأجهزة الأمنية؟
علاقة ودية للغاية، ولست طرفا معهم في عمل.
* هل يلومك أحد منهم علي تصريح أدليت به؟
- لا إطلاقا فعندما يكون لي تصريح لا يتفق مع سياسة الدولة تأتيني الملاحظة من الرئيس شخصيا، وليس من الأجهزة الأمنية.
* هل تري أن تاريخك مع الرئيس مبارك لم يكن ليشفع لك في هذه المخالفة الأمنية؟
- هذا يؤكد موضوعية الرئيس مبارك فأنا تركت العمل ولكنني ظللت علي صلة شخصية به وبأسرته.
وهو أعطاني مساحة من السماحة طويلة المدي فهو لديه رحابة صدر واسعة نتمني أن تستمر حتي النهاية.
* اشرت كثيرا إلي المكائد وسوء التأويل اللذين تعرضت لهما ولكنني هنا أسألك إ لي أي مدي التأويل والمكائد يؤثران علي طبيعة الحكم في مصر؟
- الحياة في كل مكان في العالم في دائرة صنع القرار صعبة، وعندما يكون هناك رجال حول الرئيس، يجب أن يكون الإنسان يقظًا مائة بالمائة، وأنا دخلت الرئاسة وعمري ٣٩ عامًا وهي سن صغيرة نسبيا للخبرة في مثل هذا المجال، هناك صراعات وكواليس ولابد أن يلتفت الإنسان ويحذر كثيرا، ولكن للأسف الحذر ليس من صفاتي.
* وهل يعلم الرئيس بما يدور حوله في الكواليس؟
أعتقد فهو لديه خبرة طويلة في معرفة الأفراد منذ تخرجه عام ١٩٤٨ هو عمل فترة طويلة أستاذا في كلية الطيران و مديرا لها كان يقود فرقًا ومجموعات.
* ما طبيعة الرجال حول الرئيس؟
- لابد أن يكونوا من الكفاءات العالية كل في تخصصه وأن تكون لديهم قدرات قوية في فهم الرأي العام. وتحليله، وأن يكونوا علي قدر كبير من الصدق والشفافية، هذا ما يجب.
* وهل هذا هو الموجود فعلا؟
- لكل بلد ظروفه لا أستطيع أن أجزم أو أحسم شيئًا.
* هل هذه الدائرة حول الرئيس تمنع وصول أحد إليه، ولا تسمح إلا بمساحات صغيرة من القرب؟
- هذه ظاهرة موجودة في العالم كله، وفي كل زمان ومكان وليست في مصر فقط.
* ولكن هل هي طريقة تشوش علي اتخاذ القرار السليم؟
- لا أعتقد هذا، فكما قلت لك، للرئيس مصادر متعددة في الوصول إلي الرأي العام إذا أراد ذلك.

د. مصطفي الفقي في حوار جريء (١ - ٢): ؟


د. مصطفي الفقي في حوار جريء (١ - ٢): الأفضل أن تترك مصر دون نائب.. وأن نختار رئيسنا القادم.. لا أن يختاره لنا مبارك
بقلم رانيا بدوى ٢٧/٣/٢٠٠٨
تصوير: محمد عبدالغني


جريدة المصرى اليوم


في مكتبه بالجامعة البريطانية علي بعد ٢٥ كيلو متراً عن وسط القاهرة.. مشوار طويل قطعته علي الطريق الدائري أفكر في شيء واحد هل شخصية مثل الدكتور مصطفي الفقي بدبلوماسيتها وتوازناتها يمكنه الإجابة عن أسئلة من نوع، كيف تُحكم مصر؟.. هل يمكن ان يكشف لنا بصراحة طبيعة الرجال حول الرئيس؟ هل من الممكن أن يصف بدقة شخصية الرئيس في الحكم؟
توقعت أن يرفض أسئلة وتوقعت أن يشعر بمحاولاتي لاستنطاقه فيصمت أو يهرب لكن المفاجأة كانت حواراً جريئاً مع الدكتور مصطفي الفقي، عضو أمانة السياسات بالحزب الوطني.
كان صريحا إلي درجة ربما لا تتواءم مع وضعه في الحزب الوطني، ومنطقي، إلي درجة ربما تخجل الأحزاب المصرية.. كان أهم مافي هذه السطور هو ما بينها، وأجرأ ما في هذه الكلمات هو ماخلفها.. جاءت تعليقاته أحيانا غير مكتملة.. وبعض جمله كانت علي إطلاقها، إلا أن أنها معبأة بالرصاص.. فقد قرر أن يطلق الرصاص علي الجميع.. لكنه علي أي حال قرر استخدام مسدس يتصدر


فوهته كاتم للصوت..
* القرار السياسي في مصر كيف يصنع ومن يتخذه؟
- سأتحدث عن الفترة التي عملت فيها في مؤسسة الرئاسة، حيث كان القرار يتخذ من خلال قنوات مختلفة تصب منها المعلومات سواء من المخابرات أو مباحث أمن الدولة أو وزارة الخارجية أو المخابرات الحربية أوهيئة الاستعلامات و غيرها، فضلا عن أن الرئيس يتلقي معلومات مباشرة من أصدقاء قدامي ومن مواطنين مغمورين وعاديين، من خلال تجميع هذه المعلومات يدعو الرئيس إلي اجتماع مع القيادات تتضمن رئيس الحكومة ورئيسي مجلسي الشعب والشوري والوزراء وبعض الوزارات السيادية الهامة وبعض مستشاريه ليتم مناقشة هذه المعلومات وعلي ضوئها يتخذ القرار.. وكانت مهمتي كسكرتير الرئيس للمعلومات هي تميع هذه المعلومات الرسمية وتنسيقها وتقديمها إلي الرئيس من مصادرها المختلفة، ولكنه لم يكن يكتفي بها لأنه لا يريد أن يحتكر أحد أذنيه.
* كيف يصل إليه المواطنون المغمورون والعاديون؟
- هو يلتقي في حديقة منزله صباحا بشخصيات غير معروفة يستمع إليهم في أوقات الأزمات الداخلية أو في المشكلات الخاصة بالشأن الداخلي، هو يعرف مجنداً كان معه في الجيش أو شخصاً عادياً التقي به في مناسبة عامة وأحيانا يتصل به أناس عاديون ويرد عليهم بنفسه كما يجلس مع ضباط صغار من الجيش أو الشرطة، موظفين عاديين في بعض الهيئات أو بعض رجال القضاء، هو يعتبر أن كل صاحب تخصص هو مستشاره في هذا التخصص فهو لا يدعي المعرفة الشاملة في كل الفروع وليس لديه هذه العقد، ولا مشكلة لديه في أن يغير رأيه علي ضوء المعلومات الجديدة.. أو الرأي الذي لم يكن قد سمع به من قبل.
* من هم مستشارو الرئيس؟
- أنا تركت الرئاسة منذ ١٥ عاماً ولا أستطيع الحديث إلا عمن عاصرتهم.. فكان هناك الدكتور أسامة الباز الذي كان كبير مستشاري الرئيس ومستشاره السياسي، وكنت أنا رئيساً لمكتب المعلومات.. وكان هناك مستشار اقتصادي هو السفير سعد الفرارجي، ومستشار إعلامي هو الأستاذ محمد عبد المنعم الصحفي ورئيس مجلس إدارة روزاليوسف السابق، وكان هناك سكرتير عسكري للرئيس وهو أحد الضباط المرموقين، أي أن هناك مجموعة كبيرة تقوم بالتخديم علي مكتب الرئيس، فضلا عن أن مكتب عابدين هو المطبخ الحقيقي، الذي تصب فيه كل مصادر الإعلام والتحليل السياسي، التي يوافي بها سكرتارية الرئيس والتي يترأسها شخصية عاقلة وهادئة جدا، وهو اللواء جمال عبد العزيز وهو أقدم مرافق للرئيس، بدأ معه منذ ١٩٨٦ وحتي الآن.
* قلت في إحدي المرات إن اختيار المسؤولين في عهد الرئيس مبارك يرتكز علي أمرين، الأول: هو التميز التكنوقراطي والثاني: استبعاد المتطلعين إلي المناصب؟
- الرئيس من شدة حرصه من مراكز القوي يخشي من اللاهثين إلي المناصب والساعين إليها ويري أن من يطلب شيئا تكن دوافعه شخصية وليست موضوعية.. اختيارات مبارك تأخذ وقتاً طويلاً جدا إذا رأي شخصاً في مناسبة عامة وأعجب به، يظل يتابعه لعدة سنوات قبل أن يوليه أي منصب، فهو شخص شديد الحذر، باعتباره طيار قاذفات، وهي نوع من الطيران يحتاج إلي قدر كبير من الحيطة والحذر قبل الإقلاع وأعتقد أن لديه نفس التصور في عمله في مؤسسة الرئاسة.
* أي أن الرئيس يعمل بمقولة العرب: طالب الولاية لا يولي؟
- نعم.. فعندما يشعر الرئيس بأن هناك شخصاً ما لديه شبق وهلع شديد للمنصب العام تأتي غريزة الحذر وهي غريزة متأصله لديه في تقييم هذا النوع من الشخصيات ويراجع نفسه كثيرا قبل أن يوكل إليه منصب عاماً أو حساساً لأنه يعتقد أن الدوافع الشخصية في هذه الحالة هي التي تحكمه وليست المصلحة العامة وأنا أعتقد أن الرئيس لديه موضوعية شديدة في الاختيار.
* ولكن طالب المنصب أحيانا يكون مهياً بالفعل عن طريق اندماجه في العمل السياسي بعكس العازف عنه؟
- لديك حق تماما، فأنا أيضا لي رأيي مختلف عن المعمول به فليس هناك ما يجعل طالب الولاية لا يولي، بدليل أن التدريب السياسي يتم في الغرب بشكل منظم ومرتب قبل وصول الشخص إلي المنصب، وقد شاهدتهم في بريطانيا في مطلع حياتي عام ١٩٧٥ وهم يأخذون تاتشر من الصفوف الخلفية إلي الصفوف الأمامية في مؤتمر حزب المحافظين في بلاك بول، كنت ممثلا للسفارة في هذا المؤتمر وهذا يعني أن هناك عملية تأهيل سياسي، وإلا ما جدوي أن يعد إنسان نفسه للحياة السياسية، ثم تقولين له أنت تعد نفسك للحياة السياسية فلا يجب أن تتولي منصباً لأنك تريده، كلمة «طالب الولاية لا يولي» كانت خاصة بالدولة الإسلامية عندما يريد شخص أن يتولي ولاية الشام أو ولاية مصر، فكان هناك تخوف من النزاهة المالية، أما ما عدا ذلك فالأمر مختلف.
* ما هو الفرق بين اختيار الرئيس عبد الناصر والرئيس السادات لمسؤولي الدولة من وجهة نظرك؟
- عبد الناصر كان يختار أهل الثقة، والسادات كانت تأتيه قرارات مفاجئة، يعجب بشخص فيسرع في توليته مايريد علي الفور.. وكان له رؤية مختلفة في اختيار الأشخاص فقد ولي الماركسيين رغم اختلافه معهم في بداية عهده، مثل إسماعيل صبري عبد الله، والدكتور إمام والدكتور إبراهيم حلمي عبد الرحمن وغيرهم، أما الرئيس مبارك فيخضع الأشخاص لاختبارات لمدة طويلة قبل أن يوليهم أي مناصب، فعلاقة الرئيس مبارك بالزمن تشبه علاقة الأسيويين بالزمن أي الشعوب الأسيوية وليس كالشرق أوسطيين، فهم في عجلة من أمرهم، أما هو فيفضل أن يأخذ وقته في اختيار الشخص، واذا ائتنس إليه ووثق فيه يوليه منصباً ويبقي عليه إذا لم يصدر منه شيء يجعله يعدل عن قراره.
* وأي الطرق كانت أجدي وأنفع في حكم مصر؟
- النتيجة توضح لك ذلك.. ففي عهد مبارك لا توجد أخطاء كبري مثل عهدي السادات وعبد الناصر وأيضا ليس هناك فرقعات كبري بينما في عصر كل من عبد الناصر والسادات كانت هناك إنجازات ضخمة وأخطاء ضخمة أيضا، أما السياسة التي اتبعها مبارك فقد جنبت مصر التورط في مشكلات داخلية وإقليمية.
* ما هو الخطأ الفادح في كل من العهدين السابقين؟
- الخطأ في عهد عبد الناصر كان الحملة علي اليمن لأنها كانت مقدمة لاستنزاف قدرات مصر العسكرية وجرها إلي مؤامرة ١٩٦٧، بالإضافة إلي غياب الديمقراطية، فهو كان يري أن شعبيته الكاسحة تغنيه عن الديمقراطية، أما خطأ السادات فكان في التعجل في التسوية في كامب ديفيد، وأنا لست ضد ذهابه إلي القدس، ولست ضد اتفاقية السلام، ولكنني أعتقد أن مزيداً من الوقت كان يمكن أن يكسبه دعما عربيا، يجعل نتائجها أكثر شمولا وتأثيرا.
* وما هو تقييمك للحكم في العهود الثلاثة ولشخصيات الرؤساء في إدارة البلاد؟
-
عبد الناصر له إنجازات ضخمة، فقد أقام قومية عربية لا تقارن بأي زعيم آخر، فهو شخص له مفهوم البطل القومي فهو في تاريخنا مثل نابليون في فرنسا، نعم مات مهزوما والأرض محتلة، ولكن لا يجب أن نحكم عليه بالنهاية، فهو يبقي في التاريخ تحولاً فكرياً ضخماً ليس في العالم العربي فقط ولكن في العالم الثالث كله.. أنا عشت في الهند ورأيت مدي تأثرهم بالزعيم عبد الناصر.. أما السادات فهو رجل دولة، بمعني أنه كان يعرف المتغيرات الدولية والإقليمية جيدا.. كان يستطيع أن يعطي إشارة شمال ويدخل يمين..
وبالمناسبة لا يوجد في تاريخنا رجال دولة فهموا المتغيرات الدولية والإقليمية إلا محمد علي، مؤسس الدولة الحديثة، وأنور السادات، أما حسني مبارك فهو شخص مختلف فهو يريد أن يمنع الضرر أكثر من أن يجلب الفائدة.. ولذلك عندما يقيم التاريخ فسيقول إن عبد الناصر أخطأ عندما فعل كذا وكذا، والسادات أخطأ عندما فعل كذا وكذا، أما مبارك فقد أخطأ أنه لم يفعل كذا وكذا، هذا هو الفارق بين الرؤساء الثلاثة في رأيي الموضوعي
.
* أعود لمسألة اختيار الرئيس لمعاونيه هل لك أن تحكي لي كيف تم اختيارك أنت شخصيا لهذا المنصب الحساس؟
- كنت أعمل في مكتب الدكتور أسامة الباز وجدت ظروفاًً غاب فيها، فقمت أنا ببعض الأعمال المطلوبة نيابة عنه فاستدعاني الرئيس وتعرف علي ثم عدت إلي «الخارجية» لمدة عامين٨٣-٨٥ واستدعاني مرة ثانية وكلفني بالعمل معه كسكرتيرالرئيس للمعلومات والمتابعة.
* رجال السياسة كانوا في العهد الملكي من رجال الفكر أما الآن فرجال السياسة أصبحوا موظفين في الدولة، فما السبب؟
- كان الفكر هو الذي يأتي بالشخص إلي المنصب، ولكن بعد ثورة يوليو تغلبت معايير أخري وأصبحنا في صراع ما بين أهل الثقة وأهل الخبرة، ومازلنا في أثرها حتي الأن ولم تعد الخبرة هي المعيار الوحيد في الاختيار، فهناك معايير أخري خاصة بالولاء للنظام ودعم أسلوب الحكم..وعلي امتداد الخمسين عاماً الماضية ابتعد أهل الثقافة والفكر عن العمل العام.. أتذكر الفترة الليبرالية في تاريخ مصر عندما كان أحمد لطفي السيد ومحمد حسين هيكل وزيرا وطه حسين والسنهوري وغيرهم من أهل الفكر يترأسون المناصب العليا في الدولة، ولكن انظري علي سبيل المثال إلي الانتخابات البرلمانية لا يقتحمها إلا أصحاب رؤوس الأموال ومن يمثلون التيار الديني أو من لهم عصبيات عائلية ولا تجدين شخصيات عامة مرموقة ولا أساتذة جامعة.. هناك حالة عزوف من المثقفين وهذا حصر دائرة الاختيار في نطاق أضيق، فأصبح عندما نختار نريده ألا يكون سياسيا سابقا وألا يكون منتميا إلي حزب من الأحزاب الأخري، وألا يكون في تاريخه السياسي صعود وهبوط ومن أمضي تجربة من قبل لا تتكرر ومثل هذا الأمر يضيق دائرة الاختيار.
* هل يخشي الرئيس مبارك أهل الفكر؟
- لا غير صحيح فهو يقدر أهل الفكر والدين والقضاء ولهم مكانة خاصة لديه..لا يهوي التهويلات النظرية والأحاديث الفلسفية يحبذ فكرة الكلام المحدد، والخيارات الواضحة، وأن تأتيه المعلومة المجردة بدون رتوش ويفضل في النهاية الأرقام ولغة الإحصائيات.
* ما هو رأي الرئيس مبارك الحقيقي في مسألة وصول نجله إلي الحكم؟
- لم أسمع في أي لقاء مع جمال مبارك أو مع أبيه أو أي أحد من الأسرة حديثا حول التوريث.
*
ولاحتي رئاسة جمال مبارك للحزب الوطني؟
- ولا حتي ذلك، فكل المناقشات تدور حول مشكلات سياسية وأتحدي من يقول إنه قد جري أي حوار عن مستقبل السلطة في مصر.. كل ما أسمعه هو ما نردده نحن في صالونات المثقفين وحوارات المفكرين.
*
ألست مع من يقول إن هذا الصمت يسمح بمساحات أوسع من سوء التأويل؟
- ربما كان هذا صحيحا فجزء كبير من انتشار شائعة مرض الرئيس، كان بسبب المساحة الضبابية لفكرة المجهول في المستقبل لدي الناس، فأصبحت هذه الشائعة رغم خبثها لها جاذبية شديدة لديهم.. والأعمار في يد الله في النهاية.
* الشائعة الأخيرة فتحت من جديد باب الحديث عن ضرورة تعيين نائب للرئيس؟
- قضية اختيار نائب في الدستور مسألة جوازية وليست حتمية.. الأمر الثاني أن هناك مشكلة حقيقية في اختيار نائب وهي الاشتباك بين وظيفة نائب رئيس الجمهورية والرئيس القادم.. كان السادات نائبا لعبد الناصر، فأصبح رئيساً وكان مبارك نائبا للسادات فأصبح رئيساً.. إن تعيين نائب سيلقي في ذهن المصريين مباشرة أن هذا هو الرئيس القادم.. إنما كان يجب فض الاشتباك بين نائب الرئيس والرئيس القادم، لأنها ستحدث استقطابا تلقائيا داخل مراكز صنع القرار، وسيتم النظر للقادم الجديد باعتباره هو المستقبل وهي نقطة خطيرة لم يعالجها الدستور المصري، ولا المشرع المصري.
* هل أفهم من ذلك أن الأفضل أن يختار الشعب من يحكمه في المستقبل، بدلا من أن يختاره لنا الرئيس مبارك؟
- أعتقد أن هذا أكثر ديمقراطية.. فهل الأفضل لنا أن يختار شخص من يخلفه أم أن يأتي من خلال عملية ديمقراطية بالانتخاب المفتوح؟.
* هنا يبقي أن أطرح عليك السؤال الملح: ماذا يحدث إذن لو غاب الرئيس؟
- سوف يتولي رئيس مجلس الشعب بحكم الدستور مهام الرئاسة التي لا تزيد علي ٦٠ يوماً ويفتح باب الترشيح ويعرض علي البرلمان، وفقا للقواعد المعمول بها بعد التعديلات الدستورية، وفي هذه الحالة يسمح لأكثر من مرشح أن يتقدم.
* وهل هناك بديل قوي يستطيع أن يحل محل مبارك؟
- لم لا! الحياه دائما منجبة فعندما رحل سعد زغلول توهم الناس أنها النهاية ثم جاء مصطفي باشا النحاس وهو أفضل في رأيي من سعد زغلول، وعندما رحل عبد الناصر توهم كثيرون أنها النهاية ثم جاء السادات وأصلح أموراً كثيرة، عندما ذهب روزفلت توهم الأمريكيون أنه ليس هناك من يملأ الفراغ بعده ثم جاء رومني وكان رئيسا جيدا.. الحياة لا تتوقف علي شخص بعينه.
* أفهم من ذلك أنه ليس هناك أي خطورة من عدم وجود نائب للرئيس كما يعتقد البعض؟
- مادام هناك ضمانات دستورية واضحة فهناك سيناريو محدد.. مشكلتنا أننا حبيسو الماضي، نريد نائبا لكي يكون رئيسا، أنا في رأيي أن اختيار نائب فيه قدر كبير من تحكم الرئيس الحالي في الرئيس القادم.. لكن لو كنا فضضنا هذا الاشتباك بأن قلنا إن نائب الرئيس يتولي بشكل مؤقت لحين انتخاب رئيس للجمهورية في هذه الحالة يمكن تعيين نائب.
*
بشكل شخصي هل أنت مع وصول جمال مبارك لي الحكم؟
- أنا لست مع شخص ولست ضد شخص بعينه.. يهمني العملية التي تتم بها عملية الانتخابات إذا كانت عملية ديمقراطية شفافة، وليس فيها أي قدر من التدخل للتمييز بينه وبين مرشح آخر فأهلا به، ولكن هو شخص جيد وله الحق مثله مثل غيره، المهم كما قلت الطريقة التي يأتي بها.
* الأصدقاء في حياة الرئيس؟
- موجودون لكنني أستطيع أن أجزم أنهم لا يؤثرون في أي شيء، بل علي العكس، صداقة الرئيس والقرب منه تعدم صاحبها الامتيازات الشخصية لأن الرئيس يقظ دائما لإمكانية أن يستغل أصدقاؤه أو أقاربه وضعه.
*
إلي أي مدي تتحكم الأجهزة الأمنية في اختيار الوزراء والمسؤولين ممن يحكمون مصر؟
- قلت لك إن الرئيس يعتمد علي مصادر كثيرة في معلوماته عن الأشخاص وبالتالي لا يوجد ما يمكن اعتباره مصدرا وحيدا للمعلومة سواء جهة أمنية أو غيرها.
* ولكن لها اعتبار؟
- طبعا لها اعتبار.. فهناك بعض الملاحظات الأمنية علي أشخاص لايمكن تجاوزها لا في مصر ولا غير مصر.
* كان وزراؤنا قبل ثورة يوليو سياسيين فلماذا اختفي الوزير السياسي؟
- الرؤية السياسية مهمة والوزير يضع الخطوط العريضة باعتباره مسيسا، ويوجد وكيل للوزارة يسير دولاب العمل اليومي..الاختيار يتم علي أساس الكفاءات ولكن باستثناء ذوي الاتجاهات التي يري النظام أنها لا تتمشي مع توجهاته، إنما في النهاية يتم الاختيار علي المستوي الشخصي والفردي وليس علي المستوي الحزبي أو المؤسسي وهذا أعدم الوزير السياسي.
*
إلي أي مدي أمانة السياسات تسهم في وضع الاطار العام للدولة؟
- تسهم إلي درجة كبيرة جدا وتسهم بالأفكار والدراسات شديدة التميز.
* في الخارج توجد سياسة عامة للدول تظل ثابتة حتي ولو تغير المسؤولون في حين يتم تعيين المسؤول هنا فينسف السياسة السابقة عليه ويطبق سياسته الخاصة .. ألا يوجد إطار عام لسياسة الدولة؟
- هذا صحيح إلي حد كبير، المشكلة لدينا أن كل مسؤول يأتي بسياسته الخاصة وكل شخص يري في رؤيته وسياسته ما هو صحيح، والغريب أنه عند اختيار الحكومة لا يضع صاحب القرار عضوية الحزب الوطني من عدمها في الاعتبار، ولكن عندما يتولي الوزير يصبح تلقائيا عضواً في الحزب الوطني..
*
الحياة البرلمانية؟
- لايزال أمامها الكثير لكي تتواءم مع ما تستحقه مصر، فنعم لا يوجد سقف لحدود المناقشة داخل البرلمان الآن.. ولكن في النهاية طغيان الأغلبية في مواجهة ديكتاتورية الأقلية يؤدي إلي ضياع كثير من الفرص، أما البرلمان فالأغلبية الطاغية تفرض رأيها بالكثرة العددية في التصويت والأقلية الديكتاتورية تفرض رأيها بالصياح والانسحاب، وكلاهما شيء معيب
.