من فضلك قم بزيارة مدونتى "تعالوا "

Tuesday, April 15, 2008

مخاطر الثقافة الرخيصة !!!!؟

كيف تسكن الأدمغة بأقل سعر ممكن؟

مخاطر الثقافة الرخيصة

نائل الطوخي -->

أخبار الأدب الأحد13/4 /2008



في الوقت الذي تحتاج فيه إلي ميزانية للتوجه إلي مكتبة للحصول علي كتاب فكري أو رواية جيدة أو أغنية راقية، فإنك تجد البدائل الرخيصة لهذه الأنواع في طريقك أينما تحركت، بداخل محطات المترو، مواقف الأوتوبيسات، وأرصفة الشوارع، وكله بتراب الفلوس!المشكلة أن الرواية ليست رواية، والفكر المطروح أكثر خطرا من الأمية، والأغنية المتوفرة تعادي الذوق، وشريط الوعظ ينمي التطرف ويعادي العقل!بجنيه أو بجنيهين يمكن للمواطن المصري الآن أن يصير داعية، علي الأقل بين معارفه، بكتاب يروج للحجاب أو بشريط يصف عذاب القبر، يمكن له أن يحوز سلطة الأمر والنهي والإفتاء.لسنوات طويلة ظلت هذه الثقافة، ويسميها البعض ثقافة الرصيف أيضا، تتسلل داخل عقل المجتمع حتي صارت جزءا أساسيا من تكوينه. بالطبع لا نلوم هنا المواطن العادي، الذي يسعي للحصول علي زاده الروحي مقابل جنيهات معدودة، وإنما نحاول معرفة كيف تغلغلت هذه الثقافة الرخيصة إلي داخل عقله، وكلنا أمل أن يستفيد صناع الثقافة "الثقيلة- من هذه التجربة، وأن يتوقفوا عن الانعزال في مكتباتهم الفاخرة وطبعات كتبهم التي تزيد أحيانا عن نصف دخل القارئ العادي.
***حاز شارع عبد العزيز شهرته بوصفه أكبر سوق لبيع أجهزة المحمول الرخيصة، ولكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، ففي سبعة شارع عبد العزيز يقع مصنع كبير أيضا لإنتاج الثقافة الرخيصة، حيث تتجاور شركات النور والمسك وإسلاميات هاي كواليتي لإنتاج الشرائط الإسلامية، والتي لا يتجاوز سعرالشريط منها أربعة أو خمسة جنيهات.البعض ممن يعملون في هذه الشركات بدا متوجسا، والآخرون رفضوا تماما الحديث، فبينما قال لي بائع بحدة: -الكل بيتكلم عن المشايخ. مش ناقصين يتكلموا علينا احنا كمان.- فإن مشتريا قد فاجأني بقوله: -بس ياريت ماتكتبش أن موضوع الكاسيت الإسلامي أصبح تجارة.- من وجهة نظر الجميع، وخاصة مستهلكي هذا النوع من الثقافة والعاملين الصغار فيه، فإن الموضوع أبعد ما يكون عن التجارة. حدثني بائع في إحدي شركات إنتاج الكاسيت الإسلامي قائلا أنه لو أراد الربح لكان قد عمل في شرائط الأغاني وخلافه، ولكنه اختار مكانه هذا في سبيل نشر الدعوة: -أنا أعمل هنا وأكسب الثواب بمساعدتي علي نشر الدين الإسلامي.-فرع إسلاميات هاي كواليتي قائم منذ عشر سنوات. وانتقل مكانه منذ عامين من العتبة إلي شارع عبد العزيز الآن، والبعض بداخله مقتنعون تماما أنه لا يحقق أرباحا، بالمقارنة بفرع الأغاني علي سبيل المثال، وهذا ليس أمرا سيئا طالما أن الحديث هو عن خدمة الدعوة. وكما أكد لي محاسب يعمل بالفرع فإن تكلفة تسجيل شريط الكاسيت الساعة هي جنيه وربع ويباع غالبا بسعر التكلفة، ولكن أحيانا ما يزداد سعره بسبب التوكيلات، فهناك شركة تحصل علي توكيل توزيع مقرئ أو أي داعية داخل مصر. -هاي كواليتي مثلا حصلت علي توكيل المقرئ الكويتي بشاري راشد، وبالتالي فليس من حق أحد توزيعه غيرها هي، ومن هنا يأتي غلاء ثمنه ليصل إلي أربع او خمس جنيهات، بالمقارنة مثلا بالداعية محمد حسان أو محمد حسين يعقوب، -بارك الله فيهم-، الذين يسمحان للجميع بتسجيل دروسهما، وبالتالي فشرائطهما أقل سعرا من غيرها. بعد ذلك يزداد ثمن الشريط علي حسب من يبيعونه.-"ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا-، هذه الجملة رددها أكثر من مرة المحاسب، غير أنها كانت تدل من وجهة نظره علي عدم جواز بحث العامل في سوق الشرائط الإسلامية عن الربح، وبالتالي وجوب بيع شرائط القرآن والدعوة بسعر رخيص، وليس بسعر غال: -إذا اهتم المنتج بالربح فلقد -قلبت معه تجاره- إذن، أي تجارة بدين الله وهذا حرام. بالنسبة لمن يشتري شريط الأغاني فإن سعر شريط القرآن "مش فلوس- وبرغم ذلك، فإن شخصا قد يشتري شريط الأغاني ولا يشتري شريط القرآن، ولا تفهم لماذا!!-ولكن هذا لا يمنع أن هناك أفضلية للشريط الإسلامي من وجهة نظره: شريط الأغاني ينفد ولا يسأل عنه أحد بعد ذلك، ولكن الشريط الإسلامي عليه طلب دائما، لأن -الإسلام بخير والمسلمين بخير-. والطلب في الغالب هو علي شيوخ الفضائيات: -المقرئ الكويتي بشاري راشد هو الأكثر شعبية الآن، وذلك لأنه يمتلك قناة فضائية اسمها -العفاسي-، والناس عرفته منها، بالإضافة إلي دعاة آخرين مثل محمد حسان، أبو إسحق الحويني، محمد حسين يعقوب، ومسعد أنور.-
***شارع العزيز بالله في حي الزيتون هو واحد من أهم تجمعات السلفيين في القاهرة. لوهلة يخيل للسائر بهذا الشارع أنه في إحدي الدول الإسلامية البعيدة، مثل أفغانستان أو باكستان، فالرجال في الغالب ملتحون ويرتدون جلابيب بيضاء قصيرة ويضعون الأسوكة في جيوبهم، والنساء منتقبات. في هذا الشارع أيضا يقع سوق كبير لترويج الثقافة الرخيصة، والتي هي في الغالب أيضا ثقافة أصولية.صاحب مكتبة ودار -سلسبيل- في هذا الشارع يعمل في هذا المجال منذ حوالي إثني عشر عاما، وما دفعه لهذا المجال، كما قال بيقين، هو "حبه لله-. وفي أثناء الحوار بيني وبينه بدا مترددا وهو يسألني عن الهدف من وراء الاهتمام بالمكتبات الإسلامية، وهل الهدف محاربة تيار معين أو الترويج لفكر ما!؟ وما أن اقتنع أن الهدف هو إلقاء الضوء لا أكثر علي الظواهر الثقافية في حياتنا حتي بدأ يشرح لي سياسة مكتبته. هو يبيع كتبه بمتوسط من جنيه إلي جنيهين ونصف وتكلفتها لا تزيد عن 85 قرشا. يسميها كتب -الرقائق-، وهي تعني كما يقول "بالتخويف والترهيب-، وهي الكتب الأكثر رواجا عنده كما يؤكد، ويطبع منها في المتوسط ألف نسخة أو ألفين. ويعتقد أن رخص ثمن الكتب هو سبب من أسباب -انتشار الدعوة-: -المواطن الآن لا يستطيع دفع مبلغ كبير وهو في أشد الحاجة إلي المأكل والملبس.- بينما لا يقبل علي الكتب الغالية عنده إلا المتخصصون والجامعيون. والكتب المطبوعة في بيروت علي سبيل المثال يمكن أن تظل عنده عاما كاملا ولا تبيع نسخة واحدة، بسبب غلاء سعرها وتخصصها: "المصريون في الغالب يريدون كتبا سهلة ومفهومة.-
***مصدر صناعة الكتب الإسلامية موجود في الأزهر، لذا ينظر التجار هناك إلي كتبهم بشيء من المهنية، أي أنهم ينظرون إليها باعتبارها صناعة وليس -دعوة-، كما يحدث في أماكن تجمع السلفيين الآخري. هكذا تتجاور في مكتبات الأزهر كتب الطهي وكيفية إسعاد الزوج مع كتب التداوي بالأشعاب والعلاج من السحر والحسد. دار المجلد العربي تقع في شارع الدراسة وتبيع كتب الأعشاب، والتي يبلغ متوسط سعرها ثلاثة جنيهات. يقول لي بائع هناك: -المريض الآن لم يعد بإمكانه تحمل أجرة الطبيب وشراء الأدوية الغالية، لذا يلجأ إلي هذه الكتب للتداوي.- تبيع المكتبة كتبها ذات القطع الصغير بالجملة إلي الموزعين، والذين يقومون بدةرهم بتوزيعها علي الأرصفة أمام المساجد أو في الأوتوبيسات، ومكسب هؤلاء الباعة يتراوح بين عشرة إلي عشرين بالمائة، هي العشرين بالمائة التي تقدمها له المكتبة خصما علي الطلبيات الجملة.في شارع درب الأتراك خلف الجامع الأزهر تقع المكتبة المحمودية. يتحدث صاحبها عبد الحليم إبراهيم عن عناوين كتب الطهي لديه، مثل -الأسماك والأكلات البحرية-، و-الأكلات المتنوعة-، والتي لا يتجاوز سعر الكتاب منها ثلاثة جنيهات. بالطبع هناك أفراد يشترون هذه الكتب، وهم في الغالب من النساء وبالأخص من كانت منهن علي وشك الزواج، ولكن الاعتماد الأكبر هو علي طلبات الجملة: -هناك مندوب يأتي ويشتري مني بالجملة ويذهب لتوزيع هذه الكتب في المصالح الحكومية وعلي الموظفين والموظفات بالأخص. هو يأخذ الكتاب مني بجنيه ونصف ويبيعه بجنيهين.- يضيف صاحب المكتبة أن تكلفة هذا الكتاب بالنسبة له هي حوالي مئة وثلاثون قرشا. ويذكر اسم مؤلفتين يتعامل معهما لكتابة هذا النوع من الكتب، هما غادة محمد سعيد ونجوي إبراهيم: -وصفات الكتب تكون عن تجارب بالطبع. وتعاملنا المادي مع المؤلف يكون علي حسب رواج الكتاب. لو أتتني مؤلفة بكتابها الأول الذي لم يجرب حظه في السوق بعد فلن يكون المقابل كبيرا، سيكون مئة أو مئة وخمسين جنيها.- بالإضافة إلي هذا، تبيع المكتبة أيضا كتب تفسير الأحلام، ففي المكتبة مختصر لكتاب تفسير الأحلام لابن سيرين يبيعه بجنيهين. أسأله عن كتب السحر فيجيب بثقة: -الموجود عندنا هو كتب التداوي بالقرآن فقط. وجمهورها في الغالب هم المرضي النفسيون.- كانت المكتبة توزع كتبها منذ سنوات في الأوتوبيس، وتعد هذه عملية بالنسبة لها مربحة، ولكن الأمور تغيرت بعد ذلك: -ما كنا نوزعه في الأوتوبيس هو الكتب الصغيرة التي تباع بنصف جنيه. وهذه يكون قطعها صغيرا جدا ومرهقا عند الطباعة، ولذا فقد كانت المطابع تشكو منه. ومع غلاء أسعار الورق وصلت تكلفة الكتاب إلي خمسة وثلاثين قرشا، بينما الموزع يريد شراءه بثلاثين قرشا كما كان في الماضي حتي يبيعه بنصف جنيه. لذا لم تعد العملية مربحة.- والكتب التي كانت تباع في الأوتوبيس هي الكتب الإسلامية بالتحديد، أسأله عن الكتب الأخري ولماذا لا تباع هناك فيقول لي: -لأن قطعها أكبر، وبالتالي يكون وزنها أكثر ثقلا، مما يشكل عبئا إضافيا علي الشخص الذي يحملها في شنطة ليوزعها.-

No comments: